في المجتمع الإسلامي لا يُعَد العلماء مرجعاللتوجيهات الدينية فحسب، بل هم أيضًا مؤسِّسو الوعي الفكري والأخلاقي والروحي والاجتماعي. فهم قادةُ الأمةِ فكريًا ومعنويًا: يوقِظون القلوب، ويُنوِّرون العقول، ويُصلِحون السلوك.
ولا سيما حين تمرُّ الأمةُ بأمواجٍ من الغزو الفكري والانحطاط الأخلاقي والاضطراب الثقافي، يزداد دورُ العلماء عظمةً وأهميةً وحيويةً أكثر من أيِّ وقت مضى.
وقد ورد في الحديث الشريف: «العلماءُ ورثةُ الأنبياء».
وهذه الوراثة لا تقتصر على نقل العلم فحسب، بل تشمل قيادةَ الأمة وإصلاحَها وبثَّ الوعي فيها. ومن هنا، فإن أعظمَ مسؤوليات العلماء تكمن في توجيه الجيل الشاب توجيهًا فكريًا سليمًا، وحمايته من الانحراف الذهني، والضياع الثقافي، والأزمات الأخلاقية، وتعريفه بالرسالة الإسلامية المعتدلة.
وهذه المسؤولية ليست مجرد تبلیغ أو وعظ، بل هي جهدٌ عميق، مستمرٌّ ومخلص.
متطلبات العصر ودور العلماء
الجيلُ الشاب اليوم يواجه تحدياتٍ فكريةً وسياسيةً واجتماعيةً كبيرة. ففي ظلِّ انعدام الاستقرار، والتشتّت الفكري، والغزو الثقافي، وفقدان الهوية، تبرز الحاجةُ إلى مَن يُرشد الشبابَ إلى الطريق القويم؛ ولا يكون ذلك إلا من عالمٍ موثوق حكيمٍ مخلصٍ ومتخصِّصٍ في علوم الدين.
خطر الفراغ الفكري وغياب القيادة
حين يغيب العلماءُ عن فهم واقع العصر أو ينقطع تواصلُهم مع الشباب، ينشأ فراغٌ فكريّ، وسرعان ما تملأ هذا الفراغَ أفكارٌ منحرفة، أو جماعاتٌ متطرفة، أو تياراتٌ علمانيةٌ مفرطة. وإذا لم يفهم الشبابُ الدينَ فهمًا صحيحًا، أو تلقَّوا تفسيراتٍ مغلوطةً له، فإن مستقبلَ المجتمع يصبح مهددًا بالخطر.
كيف ينبغي للعلماء أن يؤدّوا دورَهم؟
ينبغي للعلماء أن يستفيدوا — إلى جانب المنبر والمسجد والمؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام — من شبكات التواصل الاجتماعي، ومن اللغة الأدبية، ومن أساليب التعامل العملي المباشر. يجب أن يُقدَّم خطابُهم الديني بلغةٍ قريبةٍ من لغة الشباب، مواكِبةٍ لمشاعرهم واحتياجاتهم.
والنصيحةُ لا يكفي أن تكون نقدًا فحسب؛ بل ينبغي أن تُصاحِبَها بدائلُ عملية، وأملٌ، وبُشْرى، وحلولٌ قابلة للتطبيق.
مسؤولية التعليم والخطابة
على العلماء أن يُسهِموا عبر المدارس والجامعات والمعاهد الدينية في تربية جيلٍ تُضيء أفكارُه، وترتفع أخلاقُه، وتتعمّق معرفتُه الدينية. ويجب أن تتناول خطبُهم ودروسُهم قضايا المجتمع الراهنة، وتلبّي احتياجاتِ الشباب، وتُقدِّم حلولًا واقعيةً لمشكلات العصر، لا أن تقتصر على الدعوة إلى التقوى والعبادة فحسب. ويجب أن يُقدَّم الخطابُ الديني بطريقةٍ تشدُّ الشبابَ إلى الدين، وتحثَّهم على حياةٍ إيجابيةٍ مزدهرة — فهذا هو السبيلُ إلى نهوض المجتمع فكريًا وحمايةِ القيم الإسلامية.
نضالٌ مشترك ومسؤوليةٌ جماعية
مسؤوليةُ العلماء لا تقتصر على إلقاء الدروس أو الخطابة، بل هي نضالٌ فكريٌّ وأخلاقيٌّ واجتماعيّ عميق.
فإذا أدّى العلماءُ واجبَهم بوعيٍ وجِدٍّ، وأصبحوا مصدرَ هدايةٍ فكريةٍ للشباب، نجت الأمةُ من الانحرافات الفكرية وما يترتب عليها من أضرار.
وأمّا إذا أُهمِل هذا الواجبُ، فتنشأ فراغاتٌ قاتلةٌ تمهِّد لانحطاط الأمة وضياع شبابها. ومن هنا تبرز الحاجةُ إلى تعاون العلماءِ والشبابِ بوعيٍ ووحدةٍ من أجل مستقبلٍ مشرقٍ ومستقرٍّ للأمة.
خاتمة
أعظمُ ثرو لمستقبل أفغانستان والعالم الإسلامي هي الشبابُ؛ وتوجيهُهم فكريًا وروحيًا واجتماعیا هو من أعظمِ مسؤوليات العلماء الواعين والمخلصين. فإذا أحسن العلماءُ أداءَ هذه الأمانة بصدقٍ وبصيرةٍ، فلن يُنقَذَ جيلٌ واحدٌ فحسب، بل ستحفظ أمةٌ كاملةٌ من السقوط الفكري وفقدان الهوية والاستعمار الثقافي.
إنها مهمةٌ تُحيي الأمةَ بروحٍ جديدةٍ ووعيٍ عمليٍّ ورسالةٍ سامية؛ وعلى العلماء أن يُدرِكوا عظمةَ هذا الدور ويُولوه كلَّ اهتمام واستعدادٍ لأداء هذه الأمانة الكبرى.

















































