كان هذا الفتح إنجازًا عظيمًا، ولم يكن أقل من معجزة في زمنه.
من خلال هذا الإنجاز تظهر مهارة العثمانيين، ويبرهن على أن الله سبحانه وتعالى منحهم مهارة فريدة وشجاعة عظيمة. عندما علم الروم أن السفن العثمانية وصلت في ظلام الليل إلى طريق الجزيرة نحو القرن الذهبي، انتشر بينهم الخوف؛ لأن لا أحد كان يصدق أن هذا ممكن. لكنهم رأوا كل شيء بأعينهم، فكان لابد لهم من الإيمان بهذا المخطط الماهر.
كانت جهود المهندسين والعمال العثمانيين جديرة بالثناء في هذا النصر، فقد نفذوا هذا المشروع العظيم بحماس وعزيمة كاملة. تم كل هذا في ليلة واحدة. لم يكن أهل القسطنطينية يتصورون حتى أن مدينتهم ستسقط. وفي صباح 22 أبريل، عندما فتحوا أعينهم، كانت أصوات هتافات العثمانيين تصدح في السماء، وأهازيج الإيمان، ونداءات الله أكبر تملأ الأجواء.
تمكنت السفن العثمانية فورًا من السيطرة على الطرق البحرية. ولم يعد هناك فاصل كبير بين الجيش الدفاعي للقسطنطينية والجيش العثماني. يقول مؤرخ بيزنطي عن هذا الإنجاز: “لم نرَ مثل هذا العمل المعجز قط ولم نسمع عنه. محمد الفاتح حوّل الأرض إلى بحر، وجعل سفنه تسير على قمم الجبال بدل الأمواج. بفضل هذا الإنجاز تفوق محمد الثاني (الفاتح) على الإسكندر الأكبر.”
انتشرت في نفوس أهل القسطنطينية أحاديث اليأس، وتداولت الإشاعات والأخبار، ومن ضمن الإشاعات أن المدينة ستسقط عندما تتجه السفن نحو الجزيرة. أثر وجود السفن الإسلامية في القرن الذهبي بشدة على معنويات جنود الدفاع، فاضطروا إلى إرسال عدد كبير من الجنود لحماية هذا الجانب؛ لأن ضعف هذه الجدران كان يجعل حماية المدينة تعتمد على مياه البحر. أضعف هذا التوزيع للقوات الدفاعات في الجبهات الأخرى.
قام الحاكم البيزنطي بمحاولات كثيرة للقضاء على القوة البحرية العثمانية في القرن الذهبي، لكن باءت جميع محاولاته بالفشل. واصل العثمانيون قصف الحصون الدفاعية في المدينة وحاولوا الصعود إلى الجدران بواسطة الحبال. كانت القوات البيزنطية مشغولة بتقوية مراكزها الدفاعية وملئها بالمتفجرات، وعندما حاول المسلمون حفر الجدران، كانوا يفشلون. زاد الحصار من معاناة المحاصرين وإرهاقهم وقلقهم، فكانوا مشغولين طوال الليل والنهار في قلق شديد.
قام العثمانيون بتركيب المدافع في أماكن قريبة من مضيق البوسفور والقرن الذهبي لاستهداف السفن البيزنطية وحلفائهم. جعل هذا الإجراء حركة الأسطول البيزنطي مستحيلة، وأصبحت القوة البحرية للعدو مشلولة تمامًا في مياه القرن الذهبي والبوسفور والمناطق المحيطة.
اجتماع قسطنطين مع حلفائه:
عقد قسطنطين اجتماعًا مع مستشاريه المسيحيين وقادة الجيوش. نصحوه بترك المدينة وطلب المساعدة من الأمم المسيحية والدول الأوروبية. ربما تأتي جيوش غير مسلمة وتضطر محمد الفاتح لكسر الحصار. لكنه رفض هذا الرأي، وقال إنه سيقاتل حتى النفس الأخير ولن يترك رعيته وحدها ليُدفن معهم في حال الهزيمة، وأكد أن البقاء والدفاع عن هذه المدينة واجب مقدس، وسيؤديه. وطلب من الحاضرين عدم نصحه بالهرب.
أرسل قسطنطين رسولًا لطلب المساعدة في جميع أنحاء أوروبا، لكنه لم يجد من يساعده أمام محمد الفاتح، وعاد فارغ اليدين. كانت وكالات المخابرات العثمانية تجمع المعلومات عن القسطنطينية والمناطق المحيطة بها، وكان قادة العثمانيين على علم تام بحالة المناطق المجاورة.
الحرب النفسية للعثمانيين:
كثف السلطان محمد الهجمات على الجدران لكي ينجح في سحق العدو، واستمر الجنود العثمانيون بمحاولات الصعود إلى الجدران بالحبال والسلالم، وكل هجوم كانوا يقومون به بشجاعة وتضحية. هزت هتافات الله أكبر قلوب جنود القسطنطينية، وأثرت أغاني العثمانيين فيهم كالصاعقة.
ركب السلطان محمد المدافع على قمم الجبال وأطلق منها القذائف على الميناء. أصابت قذيفة سفينة تجارية وغرقت في البحر. فرّت السفن الأخرى هاربة إلى جبهة غلطه. واصل الجيش العثماني على اليابسة هجومه المتواصل برقّة البرق وأذهل المسيحيين.
شن السلطان محمد الفاتح هجمات ليلية ونهارية على اليابسة والبحر دون توقف، ليجعل العدو يرد عليه بلا توقف، فلا يستطيع الراحة. هذا يضعف عزيمتهم ويزيد الضغط عليهم، فتتحول أبسط الأمور إلى مشكلات ضخمة لديهم. كانت هذه حربًا نفسية. كان المحاصرون ينظرون إلى وجوه بعضهم بعضًا ويرون علامات اليأس بوضوح.