إن أولئك الذين يعتبرون أنفسهم منتمين فكرياً إلى جماعة داعش، تظهر في أقوالهم وأفعالهم تناقضات صارخة.
فهذه الحركة، التي تدّعي الالتزام بالدين والقيم الدينية، بعيدة كل البعد عن حقيقة التدين، وتفتقر إلى الانسجام بين ما تقول وما تفعل، لدرجة يعجز معها أي شخص عن الربط بين الاثنين.
منذ الأيام الأولى لظهور تنظيم ما يُعرف بـ”الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، قدّم هذا التنظيم خطابات جذّابة أثارت إعجاب الكثيرين. لكن لم يمض وقت طويل حتى انكشف النقاب عن وجوههم الحقيقية، وظهرت أعمالهم القبيحة التي كانت تختبئ وراء تلك الكلمات المنمقة.
لقد استغلّوا بمهارة أسلوبهم الخطابي لجذب الشباب والعامة، حتى بدا لمن يسمعهم أنهم صادقون في نواياهم، مما دفع البعض للانضمام إليهم. لكن ما إن قورنت أفعالهم بمبادئ الدين الحقيقية، حتى اتضح حجم الفجوة بينهم وبين ما يزعمونه من التزام ديني.
فأفعالهم وسلوكهم بعيدة كل البعد عن أقوالهم، وهذا ما يدفع كل ذي عقل وبصيرة إلى النفور منهم والبراءة من جماعتهم، بل ويشعر بالخجل من مجرد التفكير في الانتماء إليهم.
إن استغلالهم للمصطلحات الإسلامية الأصيلة، وقيم الدين الحنيف، وكذلك محاولاتهم التلاعب بمكانة العلماء، يشكّل الأساس الفكري لهذا التنظيم التكفيري، فقد تفوّقوا بخطاباتهم البراقة على سائر الجماعات الأخرى، حتى تمكنوا من جمع حشود كبيرة في فترة زمنية قصيرة.
لكن بما أن أقوالهم لم تكن نابعة من صدق داخلي، بل مجرد شعارات سطحية، فإن الجموع التي انخدعت بهم سرعان ما اكتشفت الحقيقة، وتخلّت عنهم ونجت بنفسها من الهلاك.
لقد شهد التاريخ نشوء جماعات كثيرة، سعت إلى تحقيق السيطرة من خلال شعارات محدودة وأهداف دنيوية زائلة، لكنها لم تصمد طويلاً، إذ سرعان ما انكشفت حقيقتها، وظهرت خفاياها المظلمة للعلن.
وداعش لا تختلف عن هذه الجماعات، فحقيقتها وأهدافها الخبيثة قد انكشفت مع مرور الزمن. كثيرٌ ممن التفّوا حولهم وانخدعوا بخطاباتهم، أدركوا زيف تلك الدعاوى، وابتعدوا عنهم إلى طريق الحق والصواب.
إن من يجعل من خداع الناس وسيلة لتحقيق أهدافه، ويعتبر ذلك من السعادة والنجاح، فلن يرى السيادة أو الحكم في الدنيا، وسيكون من الخاسرين الهالكين في الآخرة.
إن هؤلاء الخوارج غارقون في الفكر السياسي الغربي إلى درجة أنهم يستنسخون شعاراته لبناء سلطاتهم المزعومة.
فالفكر الذي يتبنونه يقوم على أن “الغاية تبرر الوسيلة”، بغض النظر عن شرعية تلك الوسائل.
وهذا المبدأ يتناقض تماماً مع الفكر الإسلامي الصحيح، الذي لا يبيح استخدام الوسائل غير المشروعة للوصول إلى أي هدف. فالمسلم لا يحق له أن يسلك طرقاً محرّمة أو مخالفة للشريعة من أجل تحقيق غاية ما.
لكن وفق منطق داعش، فإن “الغاية” تشرعن الوسيلة، مهما كانت محرّمة، ولهذا فهم يستعملون كل وسيلة ممكنة من أجل الوصول إلى الحكم والسلطة، سواء كانت تلك الوسيلة خداع الناس أو غيرها من الوسائل المناقضة لأصول الإسلام ومبادئه.


















































