العمل المكفِّر، أو “العمل الكافر”، هو الفعل الذي يجعل الإنسان كافرًا، ويشمل الجميع، حيث يبطل الإيمان وسائر الحسنات.
الخلاصة: الدعم للكفار المكفِّر يجب أن يكون بناءً على فساد في العقيدة؛ أما العمل المكفِّر المطلق لا يمكن تقسيمه بحيث لا يكون مكفِّرًا للصحابة ويكون مكفِّرًا للآخرين.
الله قد يغفر الكبائر (عدا الكفر والشرك) بفضل حسنات عظيمة كالجهاد في بدر وحديبية، وهو ما يشير إليه قوله: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾. ﴿لَقَدْ رَضِىَ اللّٰهُ عَنِ الْمُؤْمِنِيْنَ اِذْ يُبَايِعُوْنَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ او د بل په باره کې رسول الله صلی الله علیه وسلم فرمايلي دي: «وَمَا يُدْريِكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ». كما ورد في “حقوق آل البيت”، الجزء الأول، صفحة 32، ذكر الحافظ ابن تيمية (رحمه الله) قصة حاطب رضي الله عنه عندما كتب رسالة للمشركين، معتبرًا ذلك من الكبائر. ومع ذلك، لما شهد بدرًا والحديبية، غفر الله له لأن الحسنات تمحو السيئات، كما ورد في الحديث الشريف: “لن يدخل الجنة سيء الملكة”. الكبائر المشمولة هنا لا تشمل الكفر أو الردة، لأنها لا تُغفر إلا بالتوبة. كما أكد الحافظ ابن القيم في “زاد المعاد”، الجزء الثالث، صفحة 372: [فصل في أن الْكَبِيرَةُ الْعَظِيمَةُ مِمَّا دُونَ الشِّرْكِ قَدْ تُكَفَّرُ بِالْحَسَنَةِ الْكَبِيرَةِ الْمَاحِيَةِ]
فَصْلٌ:
وَفِيهَا: أَنَّ الْكَبِيرَةَ الْعَظِيمَةَ مِمَّا دُونَ الشِّرْكِ قَدْ تُكَفَّرُ بِالْحَسَنَةِ الْكَبِيرَةِ الْمَاحِيَةِ، كَمَا وَقَعَ الْجَسُّ مِنْ حاطب مُكَفَّرًا بِشُهُودِهِ بَدْرًا، فَإِنَّ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْحَسَنَةُ الْعَظِيمَةُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ، وَتَضَمَّنَتْهُ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ لَهَا وَرِضَاهُ بِهَا وَفَرحِهِ بِهَا وَمُبَاهَاتِهِ لِلْمَلَائِكَةِ بِفَاعِلِهَا، أَعْظَمُ مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةُ الْجَسِّ مِنَ الْمَفْسَدَةِ وَتَضَمَّنَتْهُ مِنْ بُغْضِ اللهِ لَهَا، فَغَلَبَ الْأَقْوَى عَلَى الْأَضْعَفِ، فَأَزَالَهُ. يقول النص إن الكفر، الشرك، والردة هي أعمال تُبطل جميع الحسنات، ولا يمكن لأي عمل صالح أن يُقابلها أو يمحوها. إذا ارتكب الإنسان إحدى هذه الأعمال، فإن جميع حسناته تُلغى، ولا يُغفر له إلا إذا تاب. الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾. الإمام أبو منصور الماتريدي رحمه الله يُفسر هذا الأمر في تفسيره “تأويلات الماتريدية”، مؤكدًا أن المغفرة للشرك مستحيلة إلا بالتوبة.
فصار كأنه قال: لا يغفر أن يشرك به إذا لم يتب عنه، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وإن لم يتب منه. حافظ ابن تیمیة رحمة الله علیه في کتابه”اسباب رفع العقوبة عن العبد” في صفحة ۲۵:
(الثَّالِثُ): أَنَّ قَوْلَهُ لِأَهْلِ بَدْرٍ وَنَحْوِهِمْ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ فَكَمَا لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى الْكُفْرِ، لِمَا قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْكُفْرَ لَا يُغْفَرُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ، لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى مُجَرَّدِ الصَّغَائِرِ الْمُكَفَّرَةِ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ. امام قرطبي رحمه الله یقول في تفسیره:
﴿اِنَّ اللّٰهَ لَا يَغْفِرُ اَنْ يُّشْرَكَ بِهٖ﴾ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا: ﴿اِنَّ اللّٰهَ يَغْفِرُ الذُّنُوْبَ جَمِيْعًا﴾ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَالشِّرْكُ؟ فَنَزَلَ: ﴿اِنَّ اللّٰهَ لَا يَغْفِرُ اَنْ يُّشْرَكَ بِهٖ وَيَغْفِرُ مَا دُوْنَ ذٰلِكَ لِمَنْ يَّشَآءُ﴾. وَهَذَا مِنَ الْمُحْكَمِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ. ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُوْنَ ذٰلِكَ لِمَنْ يَّشَآءُ﴾ مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي قَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ. فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: قَدْ أَبَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّ كُلَّ صَاحِبِ كَبِيرَةٍ فَفِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ ذَنْبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ عَلَيْهِ مَا لَمْ تَكُنْ كَبِيرَتُهُ شِرْكًا بِاللَّهِ تَعَالَى. محمد بن جرير الطبري رحمه الله قال: يوضح هذا الآية الكريمة أن كل صاحب كبيرة هو تحت مشيئة الله، فإن شاء غفر له وإن شاء عاقبه، طالما لم تكن كبيرته شركًا بالله.
الخلاصة والمقصد: الكفر والشرك لا تُمحى بالحسنات، بل تُبطل الحسنات جميعها. حتى لو كان صاحب الحسنات نبيًا معصومًا كسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، الله يقول: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾. الإمام الآلوسي رحمه الله قال: من ارتكب الكفر لا يُغفر له إلا إذا تاب وعاد إلى الإيمان. شيخ الاسلام علامه حافظ ابن تیمیة (رحمه الله) یقول في “مجموع الفتاوی” الجلد الثاني، صفحة ۱۵۱ :
إنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شَيْئًا يُحْبِطُ جَمِيعَ الْحَسَنَاتِ إلَّا الْكُفْرَ، كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ شَيْئًا يُحْبِطُ جَمِيعَ السَّيِّئَاتِ إلَّا التَّوْبَةَ. وَ”الْمُعْتَزِلَةُ مَعَ الْخَوَارِجِ” يَجْعَلُونَ الْكَبَائِرَ مُحْبِطَةً لِجَمِيعِ الْحَسَنَاتِ حَتَّى الْإِيمَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَّرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِيْنِهٖ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَاُولٰٓئِكَ حَبِطَتْ اَعْمَالُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالْاٰخِرَةِ ج وَاُولٰٓئِكَ اَصْحٰبُ النَّارِ ج هُمْ فِيْهَا خٰلِدُوْنَ ٢١٧﴾ فَعَلَّقَ الْحُبُوطَ بِالْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِكَافِرِ، وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطِ يَعْدَمُ عِنْدَ عَدَمِهِ.
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَّكْفُرْ بِالْاِيْمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهٗ﴾ وَقَالَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْأَنْبِيَاءَ: ﴿وَمِنْ اٰبَآئِهِمْ وَذُرِّيّٰتِهِمْ وَاِخْوَانِهِمْ ج وَاجْتَبَيْنٰهُمْ وَهَدَيْنٰهُمْ اِلٰى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيْمٍ ٨٧ ذٰلِكَ هُدَى اللّٰهِ يَهْدِىْ بِهٖ مَنْ يَّشَآءُ مِنْ عِبَادِهٖؕ وَلَوْ اَشْرَكُوْا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُوْا يَعْمَلُوْنَ ٨٨﴾ وَقَالَ: ﴿لَئِنْ اَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُوْنَنَّ مِنَ الْخٰسِرِيْنَ ٦٥﴾ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اِنَّ اللّٰهَ لَا يَغْفِرُ اَنْ يُّشْرَكَ بِهٖ﴾. فَإِنَّ الْإِشْرَاكَ إذَا لَمْ يُغْفَرْ وَأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْخُلُودِ فِي النَّارِ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ حُبُوطُ حَسَنَاتِ صَاحِبِهِ، وَلَمَّا ذَكَرَ سَائِرَ الذُّنُوبِ غَيْرَ الْكُفْرِ لَمْ يُعَلِّقْ بِهَا حُبُوطَ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ، وَقَوْله: ﴿ذٰلِكَ بِاَنَّهُمُ اتَّبَعُوْا مَاۤ اَسْخَطَ اللّٰهَ وَكَرِهُوْا رِضْوَانَهٗ فَاَحْبَطَ اَعْمَالَهُمْ ٢٨﴾. لِأَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ، وقَوْله تَعَالَى: ﴿لَا تَرْفَعُوْۤا اَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ وَلَا تَجْهَرُوْا لَهٗ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ اَنْ تَحْبَطَ اَعْمَالُكُمْ وَاَنْتُمْ لَا تَشْعُرُوْنَ ٢﴾ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَضَمَّنُ الْكُفْرَ فَيَقْتَضِي الْحُبُوطَ، وَصَاحِبُهُ لَا يَدْرِي كَرَاهِيَةَ أَنْ يُحْبَطَ أَوْ خَشْيَةَ أَنْ يُحْبَطَ، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْكُفْرِ الْمُقْتَضِي لِلْحُبُوطِ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلْكُفْرِ كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْرِ؛ فَيَنْهَى عَنْهَا خَشْيَةَ أَنْ تُفْضِيَ إلَى الْكُفْرِ الْمُحْبِطِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِيْنَ يُخَالِفُوْنَ عَنْ اَمْرِهٖۤ اَنْ تُصِيْبَهُمْ فِتْنَةٌ﴾ – وَهِيَ الْكُفْرُ. مقصد من جميع هذه النصوص والعبارات هو أن قول “اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم” يشير إلى مغفرة الذنوب العامة وليس الكفر، لأن الكفر لا يُغفر، فلا يجوز القول إن التعاون مع الكفار ضد المسلمين هو كفر مطلقًا. حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه لم يُكفَّر لأنه من أهل بدر، وقد قال الله تعالى عنهم: “اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم”.