قبل مدة قصيرة، تداول بعض الشباب العرب على مواقع التواصل تصريحًا لزعيم الإمارة الإسلامية، مفاده أن أفغانستان هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي لا تطبق فيها القوانين والمبادئ الغربية. وهذه حقيقة واقعية، وتستدعي التأمل من جانبين:
أولًا: في جميع دول العالم، وخاصة الدول الإسلامية، تُطبق قوانين وضعية صاغتها الولايات المتحدة والدول الغربية تحت لافتات مثل “الأمم المتحدة” و”حقوق الإنسان”، وقد تم تقديم هذه القوانين على أنها بوابة للعلاقة مع الغرب أو العالم الكافر، بحجة أنها سترفع من شأن هذه الدول على الساحة الدولية وتمنحها مكانة وامتيازًا.
وقد بالغت بعض الدول الإسلامية في هذا الاتجاه، حتى إنها طبقت بعض القوانين الغربية بأفضل مما يطبقه الغرب نفسه، وتفاخرت بذلك في إعلامها، مدعية أنها من أفضل حماة الديمقراطية وحقوق الإنسان، كل ذلك طمعًا في نيل الرضا الأمريكي والغربي، وكي تكون فاعلة في النظام الاقتصادي والامتيازات العالمية.
ثانيًا: في المقابل، بدأ شباب العرب اليوم يدركون حقيقة عبوديتهم للغرب، وأيقنوا أن مصيرهم لن يكون أفضل من مصير غزة وفلسطين، وأن قادتهم لا يطبقون القوانين الغربية على شعوبهم إلا من أجل مصالحهم الشخصية وضمان بقائهم في السلطة. لقد بالغت العديد من الدول العربية في تقليد الغرب والتملق للولايات المتحدة إلى درجة أثارت سخط شعوبها، وكان “الربيع العربي” خير شاهد على ذلك، حيث انتفضت الشعوب ولكنها – للأسف – وقعت مجددًا ضحية تدخلات الغرب، بدلًا من أن تعود إلى حضن الشريعة الإسلامية.
ومن خلفية هذين الجانبين، نرى أن الله عز وجل أنعم على أفغانستان بميزة عظيمة، إذ منحها شرف التحرر من القوانين الوضعية – التي صيغت بأيدي البشر، وخاصة الإنسان الغربي – وخصّها بأن تتبع فقط قانون الله الحق (الشريعة).
أما السبب في عدم اعتراف العالم حتى الآن بالإمارة الإسلامية، فهو واضح: فكل الشروط اللازمة للاعتراف متحققة، من استقرار كامل، وأمن، وسيادة، ووحدة وطنية، وخدمة للشعب. إلا أن العقبة الوحيدة التي لا يستطيع الغرب تحملها هي التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية وسيادة الإسلام.
وربما تكون هذه أوضح علامة على أن هناك في أفغانستان اليوم نظامًا إسلاميًا كاملًا. الدول التي أدركت هذه الحقيقة النقية، شرعت في إقامة علاقات سياسية وثنائية مع أفغانستان، لأنها تعلم أن الخط الأحمر للإمارة الإسلامية هو الإسلام، وأنها لا تقيم علاقاتها على أساس تقليد الغرب أو موازنة علاقاتها مع أمريكا وفق منظور العلاقات الدولية الحديثة، بل تتخذ قراراتها باستقلالية حقيقية وتلتزم بكل وعودها.
إن دين الإسلام المبارك يقوم على خمسة أركان مقدسة، وقد تخلّى النظام الحاكم في أفغانستان عن كل القوانين الوضعية، سواء كانت داخلية أو خارجية، دعمًا وترسيخًا لهذه الأركان. وجعل من الإسلام والشريعة المعيار الوحيد لكل اتفاق، قرار، أو تطور. ومن المعلوم أن تطبيق أركان الإسلام الخمسة في أي بلد يحتاج إلى استقلال سياسي واقتصادي، ويجب أن يكون بمنأى عن التدخلات الخارجية. وهذا ما تحقّق اليوم في أفغانستان، حيث يتولى السلطة في مؤسسات الدولة الثلاثة رجالٌ متخصصون في الدين والشريعة، وهم ملتزمون تجاه الوطن والشعب، ولديهم أيضًا القدرة على التفاعل والتواصل مع العالم بلغة السياسة والدبلوماسية.
من جهة أخرى، يمكننا الرجوع إلى مطالب الشعب الأفغاني الأساسية، التي تجلت في نضاله وجهاده ضد ثلاث إمبراطوريات كبرى خلال العصر الحديث. فما كان الهدف من جهادهم؟ ولماذا لم يقبلوا التوافق معها؟ الجواب واضح: لأنهم كانوا يطلبون حكم الشريعة الإسلامية في وطنهم. لم ولن يكون هناك مكان لنظام غير إسلامي في أفغانستان، ولا يريده الشعب أصلًا. وبعد عقود، تحققت أمنية الشعب، فاستقر وهدأ، ودعم نظامه، لأنه عطشان لنظام إسلامي خالص وكامل، قادته من أهل العلم في الدين والشريعة، ومن أبناء الشعب، يفهمون مطالبه ويعيشون همومه.
أما في ميدان التعليم – سواء العصري أو الديني – فالإصلاحات جارية، والتطوير مستمر، ويتم تخصيص الميزانيات الأكبر للمناهج، والمدرّسين، والبنية التحتية. تُبذل الجهود لتطوير الجامعات، المدارس، والمعاهد الدينية، بهدف توفير تعليم عالي الجودة يجمع بين علوم الدين والعلوم المعاصرة، ليكون الشباب بعد التخرج على وعي كامل بكليهما. لذلك، يمكن القول إن الإمارة الإسلامية في أفغانستان هي النظام الوحيد في العالم الذي قدم لشعبه تطبيق الشريعة الإسلامية الكاملة، بعد تضحيات جسام، وكانت النتيجة أن أفغانستان – التي كانت تتصدر قوائم الدول الفاسدة والغير آمنة – أصبحت اليوم في مقدمة الدول التي تنعم بالأمن والاستقرار تحت ظل نظام إسلامي متكامل.
ولو كانت هذه الإمارة قد رضخت للضغوط الدولية، وبدلت الشريعة بالقوانين الوضعية، أو رضيت باتباع الاتفاقيات الغربية، لأصبحت اليوم – مثل غيرها – دولة تابعة للغرب، خاضعة له في قراراتها الداخلية والخارجية، فاقدة للسيادة التي يتميز بها نظام إسلامي حقيقي.
لذلك، من الأفضل أن يحترم العالم إرادة الشعب الأفغاني، وألا يقارن الإمارة الإسلامية بالأنظمة والدول الإسلامية الأخرى التي زينت أعلامها بشعارات إسلامية، لكنها في السياسات والمبادئ مجرد نسخ عن الغرب والعالم الكافر. لقد اتخذ هؤلاء من شعارات الديمقراطية وسيلة لاستعباد شعوبهم، أما الأفغان فقد تخلصوا من ذلك كله، وتحرروا من سجن القوانين الوضعية الغربية، وأصبحوا أسياد قرارهم، يحيون حياتهم بإرادتهم وتحت مظلة الشريعة الإسلامية.