منذ قيام إسرائيل، استمر مسلسل الرعب والقهر والعنف والظلم والاستبداد تجاه الفلسطينيين بشكل متواصل. ملايين الفلسطينيين صاروا لاجئين في دول مختلفة حول العالم، وأولئك الذين لا يزالون يقيمون في وطنهم يعيشون منذ ستين عاماً في حالة حرب مستمرة ويقدمون تضحيات متواصلة.
تأسيس دولة إسرائيل في فلسطين وقع قبل نحو قرن بواسطة القوى الأوروبية. ذلك كان بعد سقوط الدولة العثمانية وتقسيم الأراضي العربية التابعة لها. وقد تم ذلك وفقاً لوعد بلفور الذي أصدره وزير خارجية بريطانيا آنذاك.
عندما احتلت بريطانيا أرض فلسطين المباركة، وضعت خطة رسمية لاستقدام اليهود من أنحاء العالم وإسكانهم في فلسطين؛ إذ كان اليهود قبل ذلك متفرقين في أصقاع الأرض ولم تكن لديهم دولة قومية مستقلة.
الحركة الصهيونية العالمية طالبت الدولة العثمانية بالسماح لهم بالاستقرار في فلسطين، لأنهم يعتبرون تلك الأرض وطن أجدادهم، ولكن الخلافة العثمانية وتحديداً السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله رفضت منحهم هذا الإذن، إذ رأى السلطان أن هدفهم من الاستيطان هو فرض السيطرة على بيت المقدس، لذلك رفض طلبهم.
ثم في الحرب العالمية الأولى انهزمت الدولة العثمانية المتحالفة مع ألمانيا، وفُقدت عنها الأراضي العربية التابعة لها؛ عندئذ اتصل اليهود ببريطانيا وعقدوا معها اتفاقية وعدت بريطانيا من خلالها بالاعتراف بفلسطين كوطن قومي لليهود وتعهّدت بتسهيل استيطانهم هناك وبناء دولة لهم.
بعد احتلال بريطانيا لفلسطين سمحت فوراً لليهود من شتى أنحاء العالم بالقدوم والاستيطان هناك تحت مظلة الحماية البريطانية، فهاجر إليها يهود من دول عديدة واستقروا فيها.
في البداية اشترى اليهود الأراضي من الفلسطينيين بأموال، بنوا عليها بيوتهم وبدأوا نشاطاتهم التجارية والاقتصادية. في تلك الفترة أصدر المفتي الكبير الحاج أمين الحسيني رحمه الله فتاوى تحرّم بيع الأراضي لليهود، لأن هدفهم من شراء الأراضي هو السيطرة على بيت المقدس. وناصر كبار علماء العالم هذه الفتوى — تفصيل ذلك موجود عند العلامة الحكيم الأمة مولانا أشرف علي التَهَانوي رحمه الله في كتابه «بوادر النوادر».
مع ذلك استمر بيع الأراضي، وعندما استحوذ اليهود على مساحات واسعة من فلسطين وبدأوا يستوطنونها، اقترحت بريطانيا على الأمم المتحدة تقسيم فلسطين إلى جزء لليهود وجزء للفلسطينيين. وبهذا تم الاعتراف دولياً بكيان للاحتلال تحت اسم «إسرائيل»، ومنذ ذاك الحين تصاعد مقاومة الفلسطينيين ونضالهم من أجل الحرية ضد هيمنة الاحتلال.
أحد جوانب وصول يهود العالم إلى فلسطين هو اتفاق بريطانيا والقوى الغربية على اعتبار فلسطين وطنهم القومي وزيادة تسهيل الاستيطان، ولكن ثمة بعد آخر ذُكِرَ في القرآن الكريم: في سورة بني إسرائيل آية تشير إلى جمع بني إسرائيل قَبْل القيامة: «فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا». فبعض المفسِّرين، كالبغوي، فسّر هذا بأن أحد علامات خروج الساعة وقوع تجمع لليهود من أنحاء الأرض إلى مكان واحد، ومن ثم يمكن القول إن هذه علامة من علامات القِيام قد تحققت: إذ تجمّع اليهود في مركز واحد وهم يسيرون نحو نهايات حكمهم.
من الناحية التاريخية قُسِّمت فلسطين واعترفت الأمم المتحدة والغرب بذلك؛ ومن المفترض أن تُقَدَّم للفلسطينيين دولة مستقلة. وقد نصت قرارات الأمم المتحدة على حق الفلسطينيين في دولة حرة يديرون شؤونها بأنفسهم؛ لكن هذا الحق لم يتحقق عملياً بعد، وأُنشئت مؤسسات بلدية محدودة الوظائف تعطي مظهراً إدارياً فلسطينياً دون منح سيادة حقيقية.
الموقف الإسلامي الرسمي من القضية انقسم إلى قسمين: قسم يرفض التقسيم ويمنع الاعتراف بإسرائيل ككيان شرعي، ويعتبر فلسطين كلها وطن الفلسطينيين؛ وآخرون يعترفون بإسرائيل كدولة ويدعون إلى منح الفلسطينيين دولة مستقلة كاملة وفق حدود ما قبل 1967 وأن تُجبر إسرائيل على الانسحاب من الأراضي التي احتلتها آنذاك بما في ذلك القدس.
أما مواقف فصائل المقاومة الفلسطينية مثل «الفتح» و«حماس» فتختلف هي الأخرى، وفي رأيي فإن إسرائيل تستثمر هذا الخلاف لصالحها فتعيق مسار إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وتستثمر الذرائع المتجددة لتحويل الفلسطينيين إلى هدف للقهر والقصف، وما نراه مؤخراً من موجات قصف متواصلة لقطاع غزة وعمليات عسكرية إسرائيلية يؤكد ذلك للجميع.
الأمر الأكثر إيلاماً هو ما يفعله بعض الحكومات العربية والإسلامية من تهاون أو صمت تجاه إرهاب وإجرام إسرائيل؛ إذ يكتفون بشجب لفظي وبيانات بلا جدوى، بينما واجبهم الشرعي والإنساني أن يدافعوا بحزم عن بيت المقدس والشعب الفلسطيني.


















































