اليوم، نناقش ألقاب الخوارج، وهو موضوع مهم لأن هؤلاء المفسدين والدجالين حملوا العداء لرسول الله ﷺ ولأصحابه الكرام، الذين قال فيهم النبي ﷺ: “أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم”، لا سيما أولئك الصحابة الذين كانوا أقرب الناس إلى رسول الله ﷺ وأحبهم إليه.
ونظرًا لعداوتهم الواضحة هذه، أطلق عليهم النبي ﷺ والصحابة الكرام والأئمة العظام عدة ألقاب.
في بدايات الإسلام، كان الخوارج يُعرفون بلقب “القراء”، وذلك لأنهم كانوا يتلون القرآن الكريم بلا فقه أو علم، أي أنهم لم يكونوا على دراية بتفسير وتأويل القرآن الكريم، بل كانوا يفسرونه وفق أهوائهم الشخصية.
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في فتح الباري:
“يقال لهم القراء لشدة اجتهادهم في التلاوة والعبادة، إلا أنهم كانوا يتأولون القرآن على غير المراد منه، ويستبدون برأيهم…”
أي أن سبب تسميتهم بـ “القراء” يرجع إلى حرصهم الشديد على العبادة والتلاوة، لكنهم كانوا يفسرون آيات القرآن الكريم وفق أهوائهم، بعيدًا عن معناها الحقيقي.
بمعنى أنهم لم يكونوا قادرين على استخراج المعنى الحقيقي للآيات، لأنهم كانوا مجرد قرّاء، وليسوا فقهاء. ومن كان مجرد قارئ بلا فقه، فإنه لا يدرك المقاصد الحقيقية للنصوص، مما يؤدي إلى تأويلها تفسيرًا خاطئًا، وفق هواه.
وقد أشار ابن حجر العسقلاني إلى أن هذا اللقب “القراء” لم يعد يُستخدم مع مرور الزمن، لأن أفعال هؤلاء استوجبت إطلاق لقب آخر عليهم، وهو ما حدث لاحقًا.
ومن بين الألقاب التي اشتهرت عنهم “الخوارج”، وقد أُطلق عليهم هذا الاسم لأن أقوالهم وأفعالهم خارجة عن أصول الإسلام وقواعده التي وُضعت للمسلمين.
الأدلة من السنة النبوية حول الخوارج
في الحديث الذي رواه البخاري عن يسير بن عمرو قال:
“قلت لسهل بن حنيف: هل سمعت رسول الله ﷺ يقول في الخوارج شيئًا؟ قال: سمعته يقول – وأهوى بيده نحو العراق – يخرج منه قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية.”
(صحيح البخاري، رقم الحديث: 6934)
وفي هذا الحديث، رغم عدم ذكر اسم “الخوارج” صراحة، إلا أن أوصافهم ذُكرت بوضوح، كما أن يسير بن عمرو عندما سأل سهل بن حنيف عنهم، استخدم لفظ “الخوارج”، مما يدل على أن الصحابة كانوا يعرفونهم بهذا الاسم.
أما التصريح باسم “الخوارج” فجاء في حديث آخر رواه الإمام أحمد وغيره عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، قال:
“سمعت رسول الله ﷺ يقول: الخوارج هم كلاب النار.”
وفي هذا الحديث، لم يكتفِ النبي ﷺ بمجرد تسميتهم “الخوارج”، بل وصفهم بأنهم “كلاب النار”، وهو وصف شديد الدلالة على خطورتهم.
ويُحتمل أن يكون هذا الوصف مأخوذًا من لفظ “الخروج” الوارد في بعض الأحاديث، كما في قول النبي ﷺ: “يخرج في هذه الأمة…” (رواه البخاري ومسلم، رقم: 1065)، وفي لفظ آخر “سيخرج قوم…” (رواه البخاري ومسلم، رقم: 1066).
وهذا ما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم، كما ورد في حديث سهل بن حنيف السابق، وقد اشتهرت تسميتهم “الخوارج” منذ ذلك الوقت، وهو أمر ثابت في روايات الصحابة.