الجهاد، في ظاهره كلمة عادية مقدسة، لكنه من الناحية المعنوية موضوع بالغ الأهمية، ترتبط به هوية الإسلام والمسلمين وكيانهم ونظامهم.
ولأن الله تعالى أبقى أبواب الجهاد مفتوحة إلى يوم القيامة، فإن في ذلك حكمة عظيمة؛ ليظل عز الإسلام والمسلمين محفوظاً، ولتظل لهم السيادة على غيرهم من الأمم، ولتكونوا محررين من قيود وآثار الاستعباد.
لقد أثبت التاريخ أن المجتمعات والحكومات الإسلامية كانت متفوقة وشوكتهم عالية على الكفار، ما دامت سيوف الجهاد والمقاومة بأيدي المسلمين، وألسنتهم متحلية بنداء “الله أكبر”، ومقرونة بدعاء النصر والتمكين على الطغاة والظالمين. لكن حينما مدوا أيديهم لمصافحة الكفار، وأودعوا سيوفهم في الأغماد مقابل الصداقة والتحالف، واعتبروا الجهاد سبباً للتخلف والتدمير، فقد وضعوا أغلال العبودية على أعناقهم، وانفصلوا تدريجياً عن القيم الإسلامية والسلطة الشرعية.
لقد أدركت الكفار والمشركون، أهمية الجهاد وتأثيره، بأن الجهاد فى سبيل الله هو من أسباب عزة المسلمين وسيادتهم، وفى الجهاد ذل الكفر وعزة الإسلام، فلذا عملت استخباراتهم ومؤسساتهم بمختلف الطرق على إزالة روح الجهاد من قلوب المسلمين تدريجياً، وتحويل أنظارهم إلی أمور أخرى، وليسود قلوبهم حب الدنيا، وكراهية الموت، وليصبح الجهاد فى زعمهم سببا للهلاك والدمار، وللأسف الشديد قد نجحوا فى هذا إلى حد كبير.
ولتشويه سمعة الجهاد والمجاهدين كانت مخططات الكفار مكثفة من جانب الدعايات المضادة للجهاد، ومن جانب آخر أسست جماعات تتظاهر بالإسلام، لكنها في الحقيقة تعمل على تقويض الإسلام من جذوره، وجماعة”داعش” الخوارج من صنيعتهم.
لقد استغلت داعش في البداية قداسة مصطلحي “الجهاد” و”الخلافة”، لتلميع صورتها الدموية وتضليل بعض المسلمين البسطاء، موهمةً إياهم بأنها تسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية، وأن ما تفرضه على الناس بقوة السلاح هو امتداد للجهاد الشرعي.
لكن الحقيقة أن أسياد داعش كانوا يريدون أن يقوم عبيدهم باسم الجهاد بأعمال عنف وتشويه تُبعد الناس عن الروح الحقيقية للجهاد، وتبعدهم عن حكمة الجهاد، وتُنفرهم عن هذه الفريضة العظيمة.
خلال حكومة”الجمهورية” في أفغانستان، لم تكتف داعش بإحياء مشاهد من فظائع التتار، بل وبمساعدة حلفائها من الاحتلال الأجنبي والمخابرات، أقامت أبراجاً من رؤوس الأبرياء والعزل، واعتبرت النساء وأموال الناس غنائم، ورفعت شعار “الله أكبر” فوق جرائمها، وبهذا شوهت صورة الجهاد، وضللت عقول كثير من الناس، خصوصاً أولئك الذين لم يكونوا على دراية بمبادئه الحقيقية.
لقد بعثوا برسالة أن الجهاد ما هو إلا قتل وظلم ودمار، وسخرت داعش شباناً مغررين بهم، ومخطوفين لتنفيذ هذه المخططات الإجرامية، ففجرت المساجد والأماكن المقدسة، واغتالت العلماء والدعاة، وشيوخ القبائل الذين كانوا رموزاً للخير والحكمة، ومن الغريب أنهم رأوا في تدمير المساجد وقتل العلماء والأطفال والشيوخ “جهاداً”! وهذه كانت غاية سادتهم: أن يجعلوا الناس كارهين للجهاد، فلا يبقى أحد يتجرأ على المقاومة ضد الكفار.
وباختصار، فإن داعش كما باعت القيم والشعائر الإسلامية لأسيادها، كذالك صاروا أدوات لتنفيذ مخططاتهم الاستخباراتية، واستغلوا اسم “الجهاد” لتشويه هذه الفريضة المقدسة، فلا يوجد دليل واحد يثبت أنهم، سواء في العراق أو سوريا أو أفغانستان، قد قتلوا محتلا أجنبيا أو هاجموا أي قاعدة أو رتل لقوات الاحتلال الأجنبي، وهذا كان هو الهدف من الجهاد الأصلي.
لقد اغتالوا علماء مخلصين في أفغانستان، ثم وصفوا جرائمهم بـ”الجهاد”.
يجب على المسلمين أن يكونوا يقظين وواعين بأن “داعش” كمشروع غربي، يسعى أوّلاً إلى تشويه مفهوم الجهاد وإضعاف روحه من خلال الإساءة إليه، ثم بعد ذلك يعمل بأوامر أسياده على نهب وتدمير رموز الجهاد وقتل المجاهدين الحقيقيين، والمثال الواضح عليه هو استشهاد المجاهد الشجاع، وأحد قادة الجهادين الأفغانيين، الشهيد خليل الرحمن حقاني، في مكان مقدس، وهو المسجد الشريف، حيث كشفت هذه الجريمة الستار عن وجوههم القذرة.
من حسن الحظ أن جهاد الإمارة الإسلامية، وتضحياتها، وشهاداتها، وهجراتها، وخدمات المجاهدين، باتت ظاهرة بوضوح للجيل الأفغاني الشاب، وبذلك أصبح بالإمكان التمييز بين الجهاد الحقيقي والجهاد المزوّر، ومع قدوم الفتح، فقدت داعش روحها، ولم تعد قادرة على استخدام الشعارات المقدسة باسم الجهاد لتبرير جرائمها وأفعالها البشعة.