تعامل الإمارة الإسلامية مع المجتمع الدولي! الجزء الأول   

وليد ويار

منذ انطلاق كفاحها وحتى اليوم، لم تقتصر الإمارة الإسلامية على التركيز الداخلي لتحقيق أهدافها الشرعية، بل أبقت دائماً باب الحوار مع المجتمع الدولي مفتوحاً، انطلاقاً من قناعتها بأن التدخلات الخارجية كانت من أبرز أسباب عدم الاستقرار في أفغانستان في السابق. وتجربة الإمارة الإسلامية في الدبلوماسية الخارجية الفاعلة تُثبت للمجتمع الدولي أن التعامل معها ممكن، فهي حركة تفي بوعودها ونابعة من صميم إرادة الشعب، وتحظى برضاه.

تتمثل سياسة الإمارة الإسلامية الخارجية في التعامل مع المجتمع الدولي في ضوء القيم الدينية والوطنية، وقد استطاعت أن تُقنع العديد من الدول بأنها لا تسعى للتدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، كما أنها لا تسمح بأن تكون الأرض الأفغانية مصدراً لأي تهديد ضد الجيران أو العالم. وبالمقابل، تتوقع من الآخرين – استناداً إلى دروس التجارب مع الناتو وأمريكا – ألا يتدخلوا في شؤون أفغانستان الداخلية، وأن ينخرطوا في علاقات تقوم على الاحترام المتبادل.

ورغم أن الإمارة الإسلامية في السنوات الثلاث والنصف الماضية ركزت بشكل رئيسي على إدارة الشأن الداخلي وإعمار البلاد، وحصدت بذلك تأييداً داخلياً واسعاً، فإنها حافظت في الوقت ذاته على علاقاتها الدبلوماسية مع الدول الكبرى كالصين وروسيا من خلال سياسة التفاعل السياسي.

ففي الصين وروسيا، وهما من أكبر القوى الاقتصادية والسياسية في آسيا، يتمتع ممثلو الإمارة الإسلامية (سفراؤها) بحضور فاعل، وهم لا يقتصرون على التفاعل السياسي، بل يسعون أيضاً لحماية المصالح الاقتصادية والاجتماعية لأفغانستان والدفاع المشروع عن المواطنين الأفغان. ومن آخر خطوات هذا التفاعل قبول وزارة الخارجية الأفغانية لقنصل هندي، وهو ما قوبل بترحيب واسع من قبل الشعب الأفغاني على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي العديد من الدول الأوروبية، تم سحب الاعتماد الدبلوماسي من موظفين وسفراء عيّنوا في عهد الجمهورية وكانوا يتبعون لحزب “جمعيت” المسيطر آنذاك على وزارة الخارجية، ولم يكونوا موالين للنظام الحالي. وقد تم استبدالهم أو سحب ثقة الدول المضيفة منهم، مما يعد بحد ذاته فتحاً لأبواب التعامل مع الإمارة الإسلامية، وليس من المستبعد أن يتم استقبال ممثلين سياسيين للإمارة في نيويورك وجنيف قريباً.

لا شك في أن الإمارة الإسلامية تتمتع حالياً بشرعية داخلية كاملة، فهي تمثل الشعب وتعمل من أجله، ولم يعد لدى المجتمع الدولي أي مبرر واقعي لرفض الاعتراف بحق أفغانستان المشروع في التمثيل. وعلى هذا الأساس، بدأت كثير من الدول – رغم ضغوط الولايات المتحدة – بالاقتراب من واقع التعامل السياسي مع الإمارة، بعد إدراكها لحجم الدعم الشعبي والشرعية التي تحظى بها.

وينبغي على المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي أن يدركوا مسؤوليتهم في هذه اللحظة الحساسة، وألا يتركوا أفغانستان وحدها، لأن عودة الإمارة الإسلامية إلى الحكم منعت تكرار حروب أهلية مشابهة لما حدث بعد النصر على السوفييت، كما منعت تجاهل المجتمع الدولي أو تخليه عن البلاد، مما أدى إلى توفير ضمانات أمنية وعلاقات مستقرة مع الجيران ودول المنطقة، وضمان وجود نظام وطني، موحد وممثل.

على دول العالم – وخاصة الدول الإسلامية – أن تدرك أن الإمارة الإسلامية نظام جاء بإرادة الشعب، ويعمل بميزانية وطنية وإرادة مستقلة، ولم تستطع الضغوط الدولية خلال السنوات الثلاث الماضية أن تهزه، ولم يصدر عن هذه الأرض الطاهرة أي تهديد للجيران أو العالم، ولن يحدث ذلك في المستقبل بإذن الله. بل على العكس، ستُبقي الإمارة الإسلامية على توازن العلاقات الخارجية مع الجيران والمنطقة والعالم، وفقاً لمصالحها الإسلامية والوطنية.

Exit mobile version