ادعاء الجهاد؛ نظرة على أفعال خوارج العصر المخزية! الجزء الخامس   

أسامة نهضت

لقد ظهرت عبر تاريخ الإسلام جماعات عديدة استغلت المفاهيم الدينية استغلالاً خاطئاً، وحرفت مقاصد الشريعة، فكانت ضرباتها الكبرى لا تصيب أعداء الإسلام بقدر ما أصابت الأمة الإسلامية نفسها. ومن بين تلك الجماعات، جماعة خوارج العصر الحالي، أي تنظيم «داعش»، الذين رفعوا شعار «الجهاد ضد الكفار» لكنهم في الواقع أشعلوا نار الحرب والعنف لتلتهم قبل كل شيء أبناء المسلمين أنفسهم.

طوال هذه الفترة، استقطب هذا التنظيم المنبوذ آلاف الشباب الساذجين بشعارات براقة مثل «إقامة الخلافة» و«الجهاد ضد الكفر»، ثم قدموهم قرابين في سبيل تحقيق مطامعهم المنحرفة.

وقد قدموا أنفسهم على أنهم ورثة سيوف الصحابة الكرام؛ بينما كانت سيوفهم في الحقيقة تُشهر في وجه المسلمين المظلومين أكثر من أعداء الدين، كما شوهد ذلك في العراق وسوريا وغيرها من المناطق، حيث كان ضحايا تفجيراتهم الانتحارية وعبواتهم الناسفة وإعداماتهم الجماعية في الغالب من المسلمين الأبرياء، حتى أنهم لم يتورعوا أحيانًا عن إراقة الدماء في المساجد وأثناء صلاة الجمعة.

لقد زعم قادة «داعش» دوماً أنهم يقفون في الخطوط الأمامية لمواجهة الكفار، ولكن على أرض الواقع لم ينفذوا أي عمليات تُذكر ضد الكيان الصهيوني أو الجيوش الغربية المحتلة، بل بدلاً من ذلك أغرقوا أسواق المسلمين ومدارسهم ومساجدهم ومستشفياتهم وأحيائهم السكنية في الدماء، وأزهقوا أرواح الآلاف من العلماء الشرعيين وأئمة المساجد والمدرسين والأطفال والنساء العزل، ليكونوا ضحية لشعارات خوارج العصر الكاذبة.

إن أحد الأسباب الرئيسة لهذا الانحراف الكبير هو تلك الفكرة الباطلة التي ورثوها عن خوارج القرون الأولى؛ إذ إنهم كانوا يعتبرون كل مسلم لا يساير طريقهم المتشدد والباطل كافراً دمه مهدور.

بل تجاوز الأمر ذلك، فتخلّوا عن الجهاد المشروع ضد المحتلين الكفار واتجهوا نحو إذكاء نار الحروب الداخلية وسفك الدماء بين أبناء الأمة؛ حتى بدا وكأن هدفهم الحقيقي لم يكن مواجهة الأعداء الخارجيين، بل تحطيم قوة المسلمين من الداخل.

إن ادعاء الجهاد في سبيل الله إذا صار وسيلة للفتنة والفرقة فإنه يكون أشد خطراً من العدو الخارجي. كما قال رسول الله ﷺ عن الخوارج: «يَقتُلونَ أَهلَ الإِسلامِ و يَدَعونَ أَهلَ الأَوثانِ.» أي: «خوارج يقتلون المسلمين ويتركون عبدة الأوثان.» (صحيح البخاري)

واليوم ما تزال جماعة «داعش» امتداداً لتلك الفكرة نفسها؛ فكرة الجهاد المزيف الذي يجلب الفتنة والدمار، وكان أغلب ضحاياه هم أنفسهم من زعمت «داعش» أنها تدافع عنهم، بينما الجهاد الحق هو الذي يتم تحت راية العلماء وإرشادهم وفي ظل وحدة الأمة، وأول شروطه حفظ دماء المسلمين وأموالهم.

وخلاصة القول إن أكبر خيانة ارتكبها «داعش» هي تشويه مفهوم الجهاد في العالم، ذلك الجهاد الذي كان مصدر عز للأمة، فجعلوه أداة للفرقة والرعب بيد الخوارج، لكن هذا العار سيزول بفضل وعي الأجيال ويقظة الأمة ووحدتها، وسيظل أصل هذه الفريضة المقدسة محفوظاً؛ لأن الجهاد المشروع هو ضد المعتدين المحتلين فقط، لا ضد المسلمين العزل.

Exit mobile version