الخميس، السادس من شهر جدي (مرغومي)، يعدُّ من أكثر الأيام سوادًا في تاريخ أفغانستان، حيث لا تزال ذكراه محفورة في أذهان الأفغان. في هذا اليوم المشؤوم، أقدم الاتحاد السوفيتي، كأحد أعظم القوى الظالمة والمتكبرة في ذلك الوقت، على غزو أفغانستان، مما أدى إلى سحق أحلام الملايين من الأفغان، وترمُّل الآلاف من الأمهات والأخوات والزوجات، وترك العديد من الأطفال بلا مأوى أو معيل.
وقع الغزو في وقت كان الأفغان يتنفسون الصعداء بعد سنوات من المعاناة، ويحلمون بحياة هادئة ومستقرة رغم الفقر والبؤس. لكن غزو الجيش الأحمر دمّر هذه الأحلام وأغرق أفغانستان في دوامة من المآسي.
كان للسوفييت أهداف واضحة ومخطط لها مسبقًا وراء غزوهم لأفغانستان، ومنها العداء مع الشعب المسلم والمجاهد، واستغلال الموقع الاستراتيجي لأفغانستان، وتحقيق مصالح اقتصادية وسياسية. لتحقيق هذه الأهداف، بدأ السوفييت بالتدخل السياسي داخل البلاد، وسعوا إلى تشكيل حكومة تابعة لهم. وفي النهاية، دعموا انقلابًا على حكم الرئيس سردار محمد داود خان عبر الحزب الديمقراطي الشعبي (خلق)، حيث قُتل داود خان مع عدد من أفراد عائلته داخل القصر الرئاسي.
مع بداية الغزو في السادس من جدي 1358 هـ.ش، ارتكب السوفييت وميليشياتهم المحلية من أعضاء حزبي “خلق” و”پرچم” فظائع يندر مثيلها في تاريخ البلاد. قُتل نحو مليوني أفغاني بريء، وأصيب الملايين بإعاقات وجروح، بينما أُجبر الملايين الآخرون على الهجرة.
ظن السوفييت أنهم سيتمكنون من فرض سيطرتهم الدائمة على أفغانستان، وتحويلها إلى مستعمرة دائمة، وذلك عبر قوتهم العسكرية والتكنولوجية ودعم العملاء المحليين. لكن الشعب الأفغاني المسلم توكل على الله، وبدأ مقاومة جهادية مسلحة على الرغم من قلة الإمكانيات.
خاض الشعب الأفغاني معركة شرسة ضد الاحتلال، وقدم تضحيات عظيمة. عانى المجاهدون من الظلم والملاحقة، واختفى العديد منهم قسرًا على أيدي السوفييت ووكلائهم المحليين. لكن الأفغان، كما هو دأبهم، لم يفقدوا روح الجهاد، بل استمروا في الدفاع عن دينهم ووطنهم بأرواحهم وأموالهم وأسرهم.
بعد سنوات من الكفاح والمقاومة، شاء الله أن تُقبل تضحيات الأفغان، فتلقى السوفييت هزيمة مذلة على يد هذا الشعب الصامد، هزيمة كانت بمثابة نقطة النهاية للاتحاد السوفييتي. لم تنتهِ هزيمتهم بانسحابهم فقط، بل أدى ذلك إلى انهيار اتحادهم نفسه، واختفى اسم الاتحاد السوفييتي من التاريخ.
نسأل الله أن يقبل تضحيات هذا الشعب البطل، وأن يبقي أفغانستان حرة، مستقلة، عزيزة، وموحدة إلى الأبد.