عندما انتهى أور خان من تشكيل الجيش الجديد:
عندما انتهى أور خان من تشكيل جيش جديد، دخل على الفور على عالم دين كان شديد التقوى، وكان مؤمنا ورعا، وطلب منه الدعاء؛ وكان العالم الرباني الحاج بكتاش هو الذي سرّ جدًا بلقاء الملك، ووضع يده على رأس جندي ودعا قائلا: اللهم أعزهم، وعجل بجهودهم، وأينما دخلوا الميدان في رضاك فاجعل النصر لهم.
ثم نظر ذلك العالم بعناية إلى أور خان وسأله عما إذا كان هذا الجيش قد أطلق عليه اسم أم لا، أجاب أورخان: لا، لم أفكر في ذلك، فقال العلامة: أسمي هذا الجيش “ياني جري” أي الجيش الجديد.
كان علم هذا الجيش الجديد عبارة عن رقعة حمراء، عليها أيضًا شكل القمر؛ وتحت القمر صورة سيف حاد، سمي “ذو الفقار” للبركة والتوفيق، وذو الفقار هو اسم سيف علي رضي الله عنه.
كان علاء الدين أخو أورخان صاحب فكر وحكمة، حسن الفهم في الشريعة والعلم، وكان مشهورا بالزهد والورع والتقوى والتصوف؛ وعندما اندلعت الحروب مع البيزنطيين وبدأت المسؤوليات الجهادية في النمو، قام بتشكيل جيش جديد، واختار السلطان الشباب الأتراك والبيزنطيين الذين أسلموا وعملوا الصالحات، وألحقهم بالجيش الجديد، ثم قام بتدريبهم كجهاديين على المبادئ الإسلامية، مما أدى إلى زيادة عدد المجاهدين في الجيش الجديد بشكل كبير إلى 1000.
واتفق أور خان وعلاء الدين على أن الهدف من تشكيل الجيش الجديد هو تعزيز حملة الجهاد ضد البيزنطيين وضم المنطقة إلى حد ما من أجل نشر دين الإسلام، وكان يحاول استغلال المسلمين الذين اعتنقوا الإسلام حديثاً في نشر الإسلام، وقد تم تدريب المسلمين الذين انضموا إلى الجيش الجديد على الجهاد وبذلت الجهود لغرس حب الثقافة الإسلامية ومشاعر الجهاد في سبيل الله في قلوبهم.
باختصار، لم يأخذ السلطان أور خان أي طفل نصراني من والديه، ولم يجبر أحدا على اعتناق الإسلام، وما كتبه بروكلمان وجيبونز هو أكاذيب واتهامات لا أساس لها من الصحة، ويجب تطهير تاريخنا من مثل هذه الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة.
والهدف من الأمانة الأكاديمية والأخوة الإسلامية أن يقوم كل مسلم، وخاصة العلماء والمفكرين والمؤرخين والباحثين والمعلمين، بإعلام الجمهور بهذه الأكاذيب والرد على التهم الموجهة إلى العثمانيين، وهو دين عليهم وعليهم سداده، وقد نشر المستشرقون هذه الدعايات الكاذبة بقوة بحيث تلقاها الناس كالحقيقة، وكأن هذا هو الواقع الذي لا يحق لأحد أن يخالف هذه الآراء أو الأبحاث.
السياسة الداخلية والخارجية لأورخان:
كانت جميع حروب أورخان ضد الروم، ولكن في عام 736 هجرية 1336 حدث مقتل حاكم قورسي، وكانت قورسي إحدى الممالك التي تأسست على أنقاض الإمبراطورية السلجوقية، وبعد وفاة حاكمها السلجوقي، اندلع صراع على السلطة بين أحفاده، فاستغل أور خان هذه الفرصة واستولى على هذه الإمارة.
وكان من بين أهداف الدولة العثمانية الجديدة وراثة الإمبراطورية السلجوقية في آسيا الصغرى والسيطرة على الأراضي التي كانت تحت نفوذهم. ولهذا السبب استمرت الحروب الأهلية بين المنطقة والممالك الأخرى في عهد محمد الفاتح، حتى غزت الدولة العثمانية كل آسيا الصغرى. لتحقيق الاستقرار في الإمبراطورية، أكد أورخان على إعادة الإعمار والإصلاح، ووسع القوة العسكرية في الحدود الجديدة للإمبراطورية، وأنشأ المساجد والمؤسسات التعليمية، وعيّن معلمين وعلماء خبراء، وكانت جميع الدول تنظر إلى هؤلاء العلماء باحترام كبير؛ وبنيت مدارس في كل منطقة وفي كل مدينة، يدرس فيها النحو والمنطق والفيزياء والفقه واللغة والبديع والبلاغة والرياضيات والفلك وغيرها من العلوم الحديثة، وتفسير القرآن الكريم والحديث والفقه والعقائد.
بعد فتح منطقة قورسي، لم يكن أورخان ينوي فتح مناطق أخرى، وبدلاً من ذلك ركز على إعادة بناء بلاده ومدنه وأمضى 20 عاماً في القيام بذلك. خلال هذا الوقت، أنشأ أور خان جوًا من السلام في جميع أنحاء البلاد، وقام ببناء المساجد وعين الأشخاص الأكفاء لتلبية احتياجاتهم، وأنشأ مثل هذه المؤسسات العظيمة التي تدل على عظمة أور خان وتقواه وحكمته.
لم يتبن أورخان سياسة الحروب المستمرة لتوسيع الإمبراطورية، لكنه أكد على تعزيز المناطق الواقعة تحت نفوذه، وبعد احتلال كل منطقة جديدة، حاول تلبية الاحتياجات المدنية والعسكرية والتعليمية وغيرها هناك. ولهذا السبب، أصبحت كل أرض تم فتحها حديثًا جزءًا لا يتجزأ من إمبراطوريته، وبفضل الانسجام بينهما أصبحت الدولة العثمانية نموذجا في آسيا الصغرى.
تعتبر حكمة أورخان وإعادة بناء الإمبراطورية مفتاح نجاحه الذي كان سبباً في إحياء الثقافة والمجتمع. وبينما نجح أورخان في إرساء السلام الداخلي، اندلعت الحروب داخل الإمبراطورية البيزنطية، وطلب ملكهم كونتا كوزنوس المساعدة من أورخان ضد خصمه، في هذه المرحلة قرر السلطان أور خان إرسال قواته لتعزيز النفوذ العثماني في أوروبا.
في عام 1358 وقع زلزال في مدينة تراكيا أدى إلى انهيار أسوار مدينة جاليبولي، مما اضطر إلى إخلاء المنطقة، وبعد ذلك أصبح من السهل جدًا على العثمانيين دخول المدينة، واعترض الملك البيزنطي كثيراً ولكن دون جدوى، أو رد عليه خان أنه بفضل الله فتحت أبواب المدينة لجيشه، وفي وقت قصير أصبحت مدينة جاليبولي في أيدي المسلمين.
والغزوة الأولى التي أدت إلى غزو البلقان كانت من هذه المدينة. عندما أصبح حنا الخامس باليولو الحاكم الوحيد للإمبراطورية البيزنطية، تنازل عن أوروبا كلها للسلطان، بشرط أن يسهل السلطان توريد الحبوب إلى القسطنطينية، فأرسل أورخان قبائل مسلمة إلى هذه المناطق للتبشير بالإسلام، وجعل من المستحيل على النصارى في أوروبا طرد العثمانيين.