على مرّ التاريخ، كلما خيّم ظل الكراهية والعداء على المجتمعات، نشأت حركات تحوّل هذا الظل البغيض إلى رحمة ومحبّة وقبولٍ متبادل، حتى في عصرنا الحديث، وبينما كانت البشرية تتطلع إلى التسامح والتعايش، ظهرت جماعات تغذّي جذوة الكراهية والإرهاب، أحياناً تحت أسماء وأغطية متعددة، واليوم ظهرت هذه الآفة في صورة «داعش».
إنّ العالم الذي نعيش فيه قد بلغ من التطور التكنولوجي والرقيّ العلمي مبلغاً أدهش العقول، لكن هذا العالم ذاته الذي بلغ ذروة التكنولوجيا والتقدّم، لم يخلُ من حركات لا تحمل في طيّاتها إلا الحقد والازدراء.
وفي الوقت الذي كانت الإنسانية تخطو خطوات ثابتة نحو التسامح والتفاهم وقبول الآخر، جاءت داعش لتدفع بالعالم نحو فضاءٍ أكثر ظلمةً وخوفاً، إذ نشرت ثقافة القتل بلا محاكمة، وزرعت بذور الرعب والهواجس، حتى إنّ مقدار الكراهية والحقد الذي خلقته هذه الجماعة ضد الحركات الجهادية والمقاومة لم يشهد له التاريخ مثيلاً.
في عقلية هذه الجماعة، لا مكان للتفاهم أو تقبّل الآخر أو حلّ القضايا بالمفاوضات والدبلوماسية؛ بل إنّ الإرهاب والتدمير الجسدي هما الأولوية المطلقة. ومن خلال نهجها هذا، أثبتت عملياً أنّها لا تجيد سوى لغة التدمير، إذ تركت وراءها في المناطق التي امتد فيها سلطانها المؤقت آثاراً من الرعب والقتل والعنف.
لقد زرعت داعش في منطقتنا إرهاباً غير مسبوق، ونجحت من خلال أفعالها في تشويه صورة الحركات الجهادية والمقاومة في عيون الناس، كما أنها بخطابها الوحشي وسلوكها الدموي خدمت أولئك الذين سعوا لإطفاء نور هذا الدين وتشويه صورته الناصعة.
لقد دفعت هذه الجماعة بأعمالها وتصرفاتها التي لا دليل لها في أي نصّ أو مصدر معتبر الناس بعيداً عن القيم الدينية الأصيلة والمناهج المستقيمة، وتركت في المناطق التي سيطرت عليها مؤقتاً إرثاً لا يُذكَر إلا كابوساً من الإرهاب والعنف؛ وحشيةٌ ستظل ذكراها مريرة في صدور الناس.
أينما وضعت هذه الجماعة الخبيثة قدمها، نشرت في القلوب الرعب والرهبة، واستطاعت أن تفرض هيمنتها لفترة محدودة بحكم الخوف. لكنها غفلت عن حقيقةٍ سنّها الله جلّ جلاله منذ الأزل: أنّ ملك الظلم لا يدوم أبداً، ولن يدوم.
لقد علّمنا التاريخ أنّه مهما طال أمد حكم الظالمين، فإن الله تعالى لم يمنحهم سلطاناً خالداً، بل كتب لهم نهايةً مليئة بالذلّ والدمار، وهذه سنّة لا تفرّق بين بلاد المسلمين وغيرها، فإن الله سبحانه سينتزع سلطان الأرض من أيدي من يمارسون الظلم، وسينتهي أمرهم إلى ذلٍّ وهلاكٍ محتوم.

















































