منذ فترة طويلة، تحاول الحكومة الباكستانية على المستويين الوطني والدولي طرح قضية وجود طالبان باكستان وتدعي أن أعضاءها يدخلون باكستان من الأراضي الأفغانية، ثم يعودون إلى أفغانستان بعد عملياتهم. وقد ردت الإمارة الإسلامية في أفغانستان على هذا الادعاء دوماً بأن طالبان باكستان هي مشكلة داخلية تخص باكستان، وأن أراضي أفغانستان لا تُستخدم ضد أي دولة مجاورة. غير أن بعض اللاجئين الذين تضرروا من ظلم باكستان قد لجؤوا إلى أفغانستان بين عامي 2010 و2014 كلاجئين، وكان حينها القوات الأمريكية وحلفاؤها متواجدين في أفغانستان. أما اللاجئون الباكستانيون الذين يعيشون حالياً في خوست وبعض المناطق الأخرى، فلا يملكون أسلحة ولا علاقة لهم بحركة طالبان باكستان، ويعيشون وفقاً للقوانين الدولية للاجئين مثلما يعيش اللاجئون في باكستان وتركيا ودول أخرى.
لفهم الحقائق وراء هذه الادعاءات الرسمية، تبرز بعض الأسئلة الموضوعية التي قد تكون مفيدة لتوضيح الأمور على منصات التواصل الاجتماعي، أو قد تساعد الصحفيين غير المحايدين والذين يبالغون في تناولهم لهذه القضايا على إعادة النظر. “إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ، وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ.”
السؤال الأول: تدّعي باكستان أنها وضعت أسلاك شائكة بارتفاع 12 قدمًا وسُمك 5 أقدام على حدود طولها 2700 كيلومتر، وأنه لا يستطيع حتى حيوان صغير عبور هذه الأسلاك. وتوجد نقاط تفتيش قوية كل 200 إلى 300 متر، متصلة ببعضها عبر شبكات اتصال وتقوم بدوريات مستمرة، بالإضافة إلى طرق تمر على طول الحدود. ويوجد بين كل عشر إلى خمس عشرة نقطة تفتيش معسكر كبير للقوات العسكرية، مزود بالمواد الغذائية والخدمات الطبية، ويضم خمسة إلى ستة جنود مسلحين وجاهزين ومجهزين بأسلحة متقدمة، كما نُصبت كاميرات ليزرية تكلفتها 8.7 مليون روبية على كل نقطة لمراقبة أي حركة على بعد 500 متر حتى في الظلام الدامس. كذلك، تعمل أجهزة استشعار متطورة على تشغيل أضواء تلقائية ليلاً، ويُفعّل نظام إنذار إذا اقترب أي كائن حي من الأسلاك الشائكة. وقد خصصت وزارة الدفاع الباكستانية 800 طائرة بدون طيار، مزودة بأسلحة وأجهزة تجسس مختلفة، لمراقبة الحدود.
ورغم هذه التدابير، هناك قوات كوماندوز خاصة وألوية مسلحة بالأسلحة الحديثة تبقى كامنة على بعد كيلومتر واحد من الحدود لمنع أي تسلل. بعد كل هذه الاحتياطات، أعطت باكستان ضماناً لأمريكا بأنها بعد استثمار الملايين على الحدود، تضمن عدم عبور حتى طائر دون علمهم. هذه التدابير الأمنية ليست مجرد خيال، بل واقع معترف به. فحتى روسيا لم تضع مثل هذه التدابير المتقدمة ضد الجيش الأوكراني المدعوم من أمريكا وأوروبا، ولم تقم إسرائيل بمثلها ضد مجاهدي حماس. السؤال الآن هو: كيف يمكن لمجاهدي طالبان باكستان التسلل إلى الأراضي الباكستانية رغم كل هذه التدابير، والوصول إلى مناطق مثل سوات وبيشاور وبلوشستان؟ إذا كانت باكستان صادقة في ادعاءاتها، فعليها أن تنظر إلى إخفاقاتها الداخلية.
إن كانت الحكومة الباكستانية تستحق الثناء على هذه التدابير الأمنية، فإن نجاح مجاهدي طالبان باكستان في اجتيازها يجعلهم يستحقون الثناء أكثر بكثير. علاوة على ذلك، يمكن اعتبار نجاح طالبان باكستان في الوصول إلى باكستان رغم كل هذه العقبات دليلاً على إخلاصهم وصدقهم. إن إلقاء اللوم على الإمارة الإسلامية هو تصرف غير منطقي ويعد بمثابة إعلان ضمني لهزيمتهم أمام طالبان باكستان.
السؤال الثاني: مصادر رسمية باكستانية ادعت أن السلطات قتلت نائب والي ولاية ملاكند “الأستاذ قريشي” ونجله وزوج ابنته وتسعة مجاهدين آخرين في هجوم بشمالي باكستان. أكدت مصادر حركة طالبان باكستان هذا الخبر، وكذلك والي ملاكند، وقال إن المجاهدين كانوا في طريقهم من باجور إلى سوات. هذا دليل على وجود عدد كبير من المجاهدين في باجور وسوات ودير وأنهم يشنون هجمات مستمرة. إلقاء اللوم على الإمارة الإسلامية لا يمكن قبوله منطقياً.
السؤال الثالث: ينقسم هيكل طالبان باكستان التنظيمي إلى شمالي وجنوبي. ويشمل الجنوب مناطق مثل كوهات ودير غازي خان وبلوشستان، والشمال مناطق مثل بيشاور ومردان. قُسّم كل قسم إلى “ولاية” ومقاطعات. وقد أوجبت الحركة على 15 والياً وعدداً من المسؤولين التواجد في ساحات القتال. ويظهر مقطع فيديو للمسؤول العسكري في الجنوب، المفتي مزاحم، يؤكد وجود طالبان في جميع المناطق والأسواق والمساجد، حيث يحل القضاة المحليون القضايا عبر المحاكم الشرعية. يُطرح هنا السؤال: هل باكستان لا تعلم هذا الواقع، أم أنها تتعمد اتهام الإمارة الإسلامية؟
السؤال الرابع: يعبر العديد من السياسيين، مثل مولانا فضل الرحمن، عن قلقهم من الوجود الكبير لطالبان باكستان في المناطق القبلية. وقد أظهرت الفيديوهات الأخيرة عمليات تفتيش ليلية في المناطق القبلية من قِبل طالبان، حيث لا توجد سيطرة حكومية. حتى أن مسؤولين حكوميين في دير إسماعيل خان حذروا المواطنين من التنقل ليلاً بسبب الخطر الكبير في تلك المناطق.
السؤال الخامس: انتقد مسؤولون باكستانيون مراراً عمران خان والجنرال باجوه، قائلين إنهم أدخلوا طالبان باكستان إلى المناطق القبلية. إن كان هذا صحيحاً، فعلى باكستان محاسبة هؤلاء بدلاً من إلقاء اللوم على الإمارة الإسلامية.
السؤال السادس: في الآونة الأخيرة، شنت طائرات مسيرة هجمات على شمال وزيرستان، مما أسفر عن مقتل وإصابة العديد من المدنيين. وكانت الحجج أن المنطقة تحتوي على إرهابيين، وظهر مقاتلو طالبان باكستان يتحركون بحرية في هذه المناطق. السؤال هنا: هل المجاهدون يدخلون من أفغانستان أم أنهم يتواجدون في باكستان؟
الحقيقة هي أن السلطات أصبحت تشكل تهديداً لشعبها بسبب سيطرتها على ثروات البلاد، مما دفع العديد من الشباب للانضمام إلى طالبان باكستان. نستنتج من ذلك أن الإلقاء باللوم على الإمارة الإسلامية هو أمر غير منطقي ويعكس عجز الحكومة الباكستانية عن السيطرة.
نسأل الله أن يمنح هذه الأرض الأمن والاستقرار ويكرمها بنظام إسلامي. آمين يا رب العالمين. وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه أجمعين.