في هذه السلسلة، سأكتب لكم عن طاجيكستان الجريحة، أحد أقدم البلدان الإسلامية التي أصبحت اليوم منسية تمامًا. طاجيكستان، أو تاجيك، هي موطن لشعب مسلم سني يتحدث الفارسية باللهجة الطاجيكية، و اشتهروا بالعلم والشعر والأدب والالتزام الديني.
تأسست طاجيكستان كجمهورية إسلامية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991م. ومن المدن الإسلامية الطاجيكية التي تقع اليوم خارج حدود دولة طاجيكستان هي بخارى وسمرقند، حيث يتحدث سكانها الطاجيكية. الطاجيك شعب متدين بالفطرة و يُعدّون من أكثر الشعوب وعيًا والتزامًا بالدين بين شعوب بلاد ما وراء النهر التاريخية.
اليوم، يحكم طاجيكستان الديكتاتور الشهير إمام علي رحمانوف منذ عام 1992م، وقد بدأ منذ ذلك الحين بتغيير هوية الشعب الطاجيكي المسلم من خلال سياسات ممنهجة تستهدف تاريخهم، دينهم، لغتهم وثقافتهم التي يعتزون بها.
خلال العقود الثلاثة من حكمه، شن رحمانوف حربًا شرسة على الدين وأهله، حيث تم إغلاق أكثر من ١٠٠٠٠ مسجد ومدرسة دينية في طاجيكستان، وفي عام ٢٠١٨م أغلقت السلطات ٢٠٠٠ مسجد حسب الإحصائيات الرسمية للدولة، ولا يوجد اليوم في البلاد إلا معهد واحد لتعليم العلوم الشرعية.
تم اعتقال الآلاف من العلماء والدعاة وطلبة العلم بعد حظر جميع الاتجاهات والجماعات الإسلامية في البلد منذ ٢٠١٢م، ومنع طلب العلم الشرعي خارج البلاد أيضًا. وفقًا للاعتراف الرسمي، قام عناصر النظام بحلق لحى ١٢٨١٨ رجلاً وخلع الحجاب عن ٦٧٠٠ امرأة في عام ٢٠١٥ في ولاية ختلان الطاجيكية فقط!
حظر رحمانوف النساء من الذهاب إلى المساجد مطلقًا، وسمح للرجال الذين تتجاوز أعمارهم ١٨ عامًا فقط، وحدد السن المسموح به للذهاب للحج بـ ٣٥ عامًا. كما منعت السلطات دخول المحجبات والملتحين إلى جميع الدوائر الحكومية والتعليمية والرسمية.
رحمانوف، الذي وُلد لعائلة مسلمة سنية، كان ينتمي للحزب الشيوعي الروسي، ثم أسس حزب الشعب الديمقراطي وترأسه، ثم أصبح رئيسًا للدولة والحكومة معًا، وسمى نفسه قائد الأمة الطاجيكية. سيطر هو وأسرته على السياسة والاقتصاد في البلد، وأصبح فوق المساءلة والقانون بنص الدستور.
في الشهر الأخير، شدد نظام رحمانوف القوانين المحاربة للدين، حيث منع البرقع أو النقاب ولبس السواد وتغطية الرقبة للنساء، ومنع الاحتفال لمن يرجع من الحج والعمرة، بحجة الالتزام بالقيم الوطنية الطاجيكية والابتعاد عن الملابس والعادات المستوردة من العرب والأتراك.
على مرأى ومسمع العالم الذي يدعي الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، استطاع رحمانوف وحزبه السيطرة المطلقة على البلد والقضاء على الأحزاب وقمع أي صوت معارض. أما المعارضين في الخارج، فيواجهون خطر الخطف أو اعتقال عوائلهم الذين يعيشون في البلد.
صوّت مجلس النواب الطاجيكي لصالح قرار يمنع الاحتفال بأعياد الفطر والأضحى للأطفال، ويحظر الحجاب الإسلامي الذي سماه ملابس الأجانب. محاربة التدين والمظاهر الإسلامية هي سمات نظام رحمانوف الذي يحكم بالحديد والنار على الشعب الطاجيكي المسلم منذ أكثر من ثلاثة عقود.