٢٤ من شهر اسد؛ هزيمة المجرمين وانتصار طالبان!

حسان مجاهد

إن الدنيا دار ابتلاء واختبار، قال الله تعالى:
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: ٢-٣].

والأفغان من جملة المسلمين الذين ابتُلوا مرات عديدة عبر التاريخ، فخلال العقود الثلاثة الماضية تعرضوا لغزوات واحتلالات من الكفار، وامتلأت السجون بأبنائهم في بلادهم لمجرد جرمهم في الإسلام الصادق، وقُتلوا بظلم ووحشية، وحُرموا من حياة الرفاه والطمأنينة، واضطر كثير منهم إلى الهجرة، وقُصفت مجالس أفراحهم وأتراحهم، ودُمّرت مدارسهم ومساجدهم، وانتُزع منهم الحكم والنظام، وفُرّق بين الأبناء وآبائهم وأمهاتهم؛ بعضهم استُشهد أمام أعينهم، وبعضهم مفقود إلى اليوم.

لكنهم، بفضل الله تعالى، كانوا على يقين أن بعد العسر يسراً وبعد المشقة راحة، فبادروا فوراً، وهم عزّل بلا إمكانات، إلى مقاومة المحتلين الكفار، حتى بلغ الغزاة عتبة الهزيمة واضطروا إلى الجلوس على طاولة المفاوضات للانسحاب من أفغانستان، وبعد انتهاء تلك المفاوضات خرجوا خاسئين، وتُركت أدواتهم من العملاء الذين كانوا يوجهونهم لقتل إخوانهم المسلمين في يأس، ثم زال ملكهم، وعاد الطالبان – الذين كانوا بالأمس مبعدين عن السلطة – إلى العاصمة كابل، ورفعوا راية الحرية، وأقاموا في جميع أنحاء البلاد نظاماً إسلامياً غير مسبوق وأمناً شاملاً، وأحيوا آمالاً كانت قد اندثرت.

وهكذا تتبدل الأيام، فالظالم قد يعلو في وقت من الأوقات مغروراً متكبراً يمارس جبروته على المظلومين، لكنه يأتي عليه يوم يطأطئ رأسه، ويقتص منه المظلوم، فيسقط من عليائه إلى الأرض، بينما يرتقي المظلوم إلى منارات العز والشرف.

لقد ادعى فرعون الألوهية، وقال يوماً لقومه بصوت مرتفع: ﴿يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الزخرف: ٥١]، لكن الله تعالى قلب الموازين، فأغرق ذلك الفرعون الذي كان يلاحق موسى عليه السلام في اليم.

وتكبّر النمرود وقال: أنا أحيي وأميت، فإذا بغُبَارَةٍ صغيرة (بعوضة) تدخل دماغه، فتقض مضجعه وتجعله مضطرباً حتى كان لا يجد راحة إلا إذا ضربه أولئك الذين كانوا بالأمس يسجدون له على رأسه بالنعال.

وألقى أُميّة بن خلف الصحابي الجليل بلال بن رباح رضي الله عنه على رمال مكة الحارقة يعذبه، لكن الله تعالى بدّل الحال، فغرس بلال سيفه في صدر أُميّة يوم بدر.

وهاجر رسول الله ﷺ من مكة بعد أن قررت قريش قتله، ثم عاد إليها بعد سنوات على رأس عشرة آلاف من جيش الإسلام، فأخضع القلوب، حتى قال أبو سفيان للعباس رضي الله عنهما: “لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً”.

أما أبو جهل، فسار بجيش قوامه ثلاثة آلاف، وفي منتصف الطريق أشار عليه أبو سفيان بالرجوع، فأبى وقال: “واللات والعزى لا أرجع حتى أذبح الإبل ثلاثة أيام ببدر، وأشرب الخمر، وترقص القيان”، فجعل الله يومه أسوأ أيامه، فسقط من فرسه بضربة غلامين صغيرين ومات، وتحطم جيشه بهزيمة تاريخية.

في بدايات الإسلام، كان المسلمون – وخاصة الذين لا سند لهم – يتعرضون لشتى أنواع الأذى من الكفار، ثم بدّل الله حالهم، فجعلهم ملوك الأرض وقادتها، يسير الكفار إليهم مطأطئي الرؤوس، كما قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ [القصص: ٥].

وفي أفغانستان، تكرر المشهد نفسه، فذلّ الظالم وارتفع شأن المظلوم، وجاءت البشارة الكبرى لشعب أثخنته الأحزان، فكان بعد الحزن فرح، وبعد الضيق فرج، نسأل الله تعالى أن يديم ذلك. آمين يا رب العالمين.

Exit mobile version