يأتي هذا العام الاحتفال بالذكرى الرابعة المهيبة لاستقلال أفغانستان عن الاحتلال الأمريكي، في وقت تشهد فيه البلاد تنفيذ العديد من مشاريع إعادة الإعمار والبناء المحلية والإقليمية، حيث يَظهر مشهد العمران والتغيير بوضوح في الطرق الرئيسية والمدن الكبرى، إلى جانب تحقيق تقدم ملحوظ في العلاقات والتعاملات الدولية، كان أبرزها اعتراف روسيا بالإمارة الإسلامية.
إن يوم استقلال أفغانستان (24 أسد) يمثل حدثاً عظيماً ومهيباً في ذاكرة التاريخ المعاصر، وهو ثمرة تضحيات آلاف الشهداء والمجاهدين، إضافة إلى السياسة الخارجية القوية للإمارة الإسلامية، التي تمحورت أساساً حول مكتب قطر واتفاق الدوحة، وهو أمر لا يُنسى، إذ إن دبلوماسية وفد الإمارة القوية، وموقفها الحاسم المستند إلى الشريعة، كانا سبباً في إنهاء وجود المحتلين، ووقف الحرب المستمرة منذ قرابة نصف قرن في أفغانستان، وتحقيق السلام الحقيقي الذي ينعم في ظله الشعب الأفغاني اليوم بالهدوء والسكينة.
إن مقومات السياسة الخارجية القوية والفعالة لأي بلد تعتمد على الوحدة الوطنية الداخلية، ورضا الشعب، وامتلاك سلطة القرار، وشرعية الحكم، وهذه العناصر متوفرة اليوم في أفغانستان. ففي العام 1404 هجري شمسي (2025 م)، وهو العام الرابع لحكم الإمارة الإسلامية، استطاعت أفغانستان من خلال دبلوماسيتها النشطة والفعالة أن تحافظ على مكانتها بين كثير من الجيران المعترَف بهم دولياً، رغم عدم حصولها على الاعتراف الدولي الكامل، وأن تحقق العديد من النجاحات الدبلوماسية.
في السياسة العالمية اليوم، تُعتبر الدبلوماسية الخارجية النشطة بمثابة لغة توصل عبرها الدول مصالحها واحتياجات شعوبها، وقد نجحت الإمارة الإسلامية، باعتمادها سياسة ثابتة وموقفاً راسخاً على الساحة الدولية، في إقناع العالم والمنظمات الدولية بأن الحرب المفروضة على أفغانستان قد انتهت، وأن أفغانستان المسالمة اليوم مستعدة للتعامل والتفاوض السلمي مع العالم في كل الظروف، لكنها في الوقت نفسه لن تضحي بخطوطها الحمراء وأهدافها في سبيل مصالح أو مطالب الآخرين غير المبررة، وهو ما أكسبها ثقة ومكانة دولية، وأصبح كثير من الدول، بل وحتى الأمم المتحدة، تدرك هذه الحقيقة، إلى درجة أن العديد من المنظمات الدولية والحكومات المتعصبة، التي كانت تنكر هذا الواقع، اضطرت في النهاية للاعتراف به.
التمثيل الدبلوماسي الخارجي: منذ عودة الإمارة الإسلامية إلى الحكم، أبدت دوماً استعدادها للتعامل السياسي مع الأجانب، أو ما يُعرف بالمجتمع الدولي، في إطار حماية المصالح الوطنية، وفتحت أبواب مكتبها السياسي في قطر أمام الجميع. وبفضل ذلك، ووفقاً لوزارة الخارجية، تمتلك الإمارة اليوم تمثيلاً نشطاً في 40 دولة حول العالم، بما في ذلك دول أوروبية، ومن بينها قوى اقتصادية وسياسية كبرى في آسيا مثل الصين وروسيا والهند، التي فهمت موقف الإمارة الوطني والمحايد، وتتعامل معها كحكومة تمثل الشعب.
وقد أبدت عدة دول استعدادها لتسليم مقرات التمثيل الأفغاني إلى وزارة الخارجية الأفغانية طوعاً. وفي جميع هذه الممثليات، يقوم الدبلوماسيون الأفغان بدور نشط، ويمثلون شعبهم في مختلف المناسبات مع الدول المضيفة، وهو ما يُعد خطوة في محلها ورداً قوياً على الأصوات المعارضة للإمارة.
السفارات النشطة في كابول: نتيجة لجهود الممثليات الأفغانية في الخارج ومكتب قطر، أعادت عشرون دولة، كبيرة وصغيرة، فتح بعثاتها في كابول، حتى بعض الدول التي لم يكن لها تمثيل سابق في أفغانستان، وذلك رغم عدم الاعتراف الرسمي، حيث بات سفراؤها يمارسون نشاطهم، ويواصلون تقديم المساعدات والتعاون في مختلف المجالات. وقد نُشرت تقارير وصور لهذه اللقاءات الرسمية وغير الرسمية العام الماضي في وسائل الإعلام.
التوازن في العلاقات مع الجيران: في الماضي، واجهت أفغانستان كثيراً من المشاكل مع الدول المجاورة، نتيجة لغياب التوازن في العلاقات، وسياسات خارجية غير مستقلة، وتدخلات أجنبية. وكانت التقارب الزائد مع طرف والابتعاد عن آخر يخلّ بالتوازن ويؤثر سلباً على التجارة وشؤون أخرى، بل كان يضيق حياة اللاجئين الأفغان في تلك الدول، وأحياناً كان يُستغل اللاجئون كورقة ضغط. لكن بفضل السياسة الاقتصادية للإمارة الإسلامية، تم الحفاظ على التوازن، وحتى مع نشوب خلافات حدودية مع إيران وباكستان، بقيت الدبلوماسية فعالة، وحُفظ استقرار العلاقات.
التعامل مع القضايا والأحداث الدولية: واجهت الإمارة انتقادات وتصريحات غير متوازنة من بعض المنظمات الدولية والحكومات، هدفت أحياناً إلى دفع سياستها الخارجية إلى ردود أفعال عاطفية تثير الجدل الإعلامي، لكن الإمارة لم تلتزم الصمت، بل أبدت ردوداً عقلانية في كل مناسبة، سواء تجاه قرارات محكمة العدل الدولية الخاطئة، أو جرائم الاحتلال الصهيوني بحق شعب غزة، أو أي تدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان.
الزيارات الخارجية: كانت آخر زيارة لوزير الخارجية على رأس وفد إلى سلطنة عمان، وهي دولة غنية بالقدرات في مجالات الطاقة والاستثمار، وقبلها شارك مسؤولون ووزراء في مؤتمرات واجتماعات خارجية، حيث عرضوا موقفهم بوضوح ودون رقابة. وفي المقابل، زار مسؤولون أجانب رفيعو المستوى كابول، وأكدت هذه الزيارات ثقتهم في الحكومة المؤقتة واستقرار البلاد.
يوناما وتمديد مهمتها: في السابق، كان يُطلب من بعثة الأمم المتحدة السياسية في أفغانستان (يوناما) البقاء في البلاد خوفاً من التبعات، لكن هذا العام، حين لوحت البعثة بإمكانية إنهاء عملها، لم تُبدِ الإمارة أي تودد أو طلب للبقاء، بل وجهت انتقادات لعدم إنصاف تقاريرها، وفي النهاية مددت البعثة عملها لعام إضافي بمحض إرادتها.
الرد على الدعاية والتحريض: استغل بعض المعارضين في الخارج والمنظمات الممولة من أجهزة استخبارات أجنبية فرصاً لعقد ندوات وحوارات بهدف رسم صورة سلبية عن أفغانستان، لكن وزارة الخارجية ردت عبر بيانات ومؤتمرات، وكشفت الحقائق، كما أن كثيراً من هذه الأكاذيب لم تلق قبولاً حتى من الدول المستضيفة.
مكافحة تنظيم داعش: يُعد داعش اليوم مشكلة إرهابية عالمية لا حدود لها، وقد أظهر وحشيته في دول عدة، لذا فإن مكافحته مسؤولية أمنية دولية، لكن رغم أن الإمارة الإسلامية وجهت ضربات حاسمة لهذا التنظيم في أفغانستان، لم تتلق أي شكر أو دعم، مع أن الوثائق تثبت أن أغلب مقاتليه جاؤوا من دول الجوار والمنطقة.
و في الأخير يمكن القول إن الإمارة الإسلامية تنتهج سياسة خارجية متميزة، تراعي القيم الوطنية والمصالح والاقتصاد، وقد أدركت الدول التي لا تخضع للغرب وأمريكا أن الإمارة تملك سياسة خارجية مستقلة، وأن التعامل معها هو تمهيد للاعتراف الرسمي بها.