وهم الخلافة من حلم السلطة إلى حضيض الانهيار! الجزء الرابع

عزيز جلال

حرب العراق عام 2003:

أشعل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 نارًا انبعث منها تنظيم داعش من رمادها. لم يقتصر هذا الغزو المدمر على تفكيك النظام السياسي العراقي فحسب، بل أدى أيضًا إلى انهيار البنى الاجتماعية والأمنية للبلاد. كان قرار جورج بوش بتغيير النظام، دون التفكير في عواقبه الإقليمية، بمثابة أرض خصبة لنمو التطرف العنيف.

على الرغم من أن حكم صدام حسين كان استبداديًا، إلا أنه كان قد أرسى نوعًا من الاستقرار النسبي في العراق. مع سقوطه، انزلقت البلاد بسرعة إلى فوضى عارمة. قرار “بول بريمر”، المسؤول العسكري الأمريكي الرفيع، بحل الجيش الوطني العراقي، ألقى بأكثر من 400 ألف جندي مدرب في الشوارع، عاطلين عن العمل وغاضبين؛ وانضم الكثير منهم لاحقًا إلى صفوف المتمردين. أفرز هذا القرار الكارثي جيلًا من القوات العسكرية لم تكن مهارتهم الوحيدة هي القتال، ولم يكن لديهم أي ارتباط بالنظام السياسي الجديد.

كما ساهمت سياسات “اجتثاث البعث” التي طبقها المحتلون الأمريكيون في خلق فراغ في السلطة. من خلال الإقصاء الكامل لأعضاء حزب البعث من أجهزة الدولة، قضت الولايات المتحدة فعليًا على الخبرة الإدارية للبلاد. أدى هذا الإجراء إلى ظهور جيل من البيروقراطيين والمديرين الوسطاء الذين أصبحوا أعداءً للحكومة حديثة التأسيس، وانضم الكثير منهم لاحقًا إلى الجماعات المتمردة.

في هذا الجو السياسي المضطرب، اكتسبت الجماعات التكفيرية قوة في العراق. ومنح العنف الطائفي بين الشيعة والسنة، الذي اشتد بعد سقوط صدام، هذه الجماعات الشرعية. كما أدى احتلال العراق إلى تدفق الآلاف من الجهاديين من مختلف البلدان إلى هذه الأرض؛ كانت هذه الحرب فرصة لهم للقتال ضد الولايات المتحدة في الوقت نفسه، وتحقيق آرائهم المتطرفة. شكلت الشبكات الجهادية العالمية التي تشكلت في هذه الفترة، لاحقًا الأسس الأولية لتنظيم داعش.

كما كان لسياسات المحتلين في إنشاء “مجالس الصحوة” نتائج عكسية. هذه المجالس السنية، التي تشكلت في البداية لمكافحة تنظيم القاعدة، انضم العديد من أعضائها لاحقًا إلى تنظيم داعش. إن تدريب وتسليح هذه الجماعات من قبل الأمريكيين قد أنتج جيلًا من المقاتلين ذوي الخبرة الذين قاتلوا في النهاية ضد داعميهم الأوليين أنفسهم.

ساهم الاقتصاد العراقي المنهار بعد الحرب أيضًا في نمو التطرف. أدت البطالة الواسعة، لا سيما بين الشباب السني، إلى دفعهم نحو الجماعات المتمردة. أضعفت حرب 2003 مصداقية الولايات المتحدة بشدة في المنطقة. صور التعذيب في سجن أبو غريب ومقتل المدنيين، أثارت موجة من الكراهية غير المسبوقة ضد الولايات المتحدة، والتي أصبحت لاحقًا واحدة من الأدوات الدعائية الرئيسية لتنظيم داعش.

في النهاية، يمكن القول إن احتلال العراق قد وفر جميع الشروط اللازمة لنمو الجماعات المتطرفة: فراغ السلطة، الاستياء الشعبي الواسع، الحرب الطائفية، وجود الجهاديين الأجانب، والاقتصاد المنهار. لم يكن تنظيم داعش ظاهرة تلقائية، بل كان نتيجة غير مقصودة للأخطاء الاستراتيجية الأمريكية في العراق. نفس الرماد الذي نشره بوش على أمل إقامة الديمقراطية في الشرق الأوسط، قد أفرز في نهاية المطاف وحشًا أضرم النار في المنطقة بأكملها بعد سنوات.

Exit mobile version