هذه أرض الشهداء… هذه أرض التضحيات!

نعمان سعید

استمعت حديثًا إلى كلمة جديدة لنائب رئيس إدارة استخبارات إمارة أفغانستان الإسلامية الحاج ملا صاحب تاج مير جواد – حفظه الله -. أُلقيت هذه الكلمة قبل يومين في مديريّة سيد كرم بولاية بكتيا بمناسبة إحياء ذكرى الشهداء، وأُلقيت أمام مهرجان جهادي وشعبي كبير.

مدة الخطاب نحو عشرين دقيقة، ومن حيث المقطع الزمني له أهميّة كبيرة وقيمة عالية؛ لأنه يرد بوضوح على جميع الجوانب.

لا أكتب عنه الكثير؛ لأن هذا الحديث أعلى من أن تُحلّله وآراؤنا تُجاهله؛ ذلك لأن هذه الكلمة خطاب قيادي يعكس فهماً عميقاً وتأويلاً ناضجاً للأبعاد الإيديولوجية والدينية والتاريخية والنظامية والنفسية لإمارة الإسلام، وهذا النوع من الخطاب يحتاج إلى محلل من طراز رفيع.

على أي حال! ومن حيث أهميّة المقطع الزمني، أُجبر أن أحاول بقلمٍ سطحيٍ وبفكرٍ مبسّط أن أقسّم أجزاء هذه الكلمة المهمة إلى فقرات منفصلة، ثم أضع كل فقرة في إطارها الديني والتاريخي والعسكري والنفسي، وأبين الرسائل الكامنة فيها.

الفقرة الأولى “الحمد لله العظيم الذي نحن وأنتم في محفلٍ فخيمٍ اليوم وفي ساحةٍ ثابتةٍ للجهاد والقتال مجتمعون.”

تشتمل هذه الفقرة على حمد الله جلّ جلاله، فحمد الله هو مبدأ إسلامي، ويُبيّن أن كل شيء هو فضل من الله جلّ جلاله. ثم ذكر “الجهاد، القتال والساحة” إشارة إلى أن هذه قيم دينية عليا، وأن الجهاد من أجل دفاع المسلمين ورفع دينهم عملٌ أسمى وأعظم.

كما تشير هذه المصطلحات إلى تسلسل المعارك السابقة التي هي تراثنا الديني والتاريخي، وتُشعر المجاهدين بأنكم في مهمةٍ “مقدّسة” ويجب أن تبقوا فيها؛ وهذا من أهم أدوات تعزيز الصمود الفكري للمجاهد.

وقد شبّه اللقاء بـ”الساحة” أو “الخندق/الجبهة”؛ وهذه تشبيه قوي يدل على أن هذا ليس مجرد اجتماع عادي؛ بل له طابعٌ قتالي ونظامي ينبغي أن يُعطى قيمة الجبهة العسكرية.

الفقرة الثانية: “آباؤنا وأجدادنا حاربوا الروس والإنجليز وغيرها من الإمبراطوريات الغازية والطاغية وضمنوا بقاء أفغانستان كأمة إسلامية.”

تُظهر هذه الفقرة أن معاركنا ونضالاتنا ليست مجرد قضايا وطنية فحسب، بل هي ذات صبغة دينية، وأن الهدف المقدّس كان حفظ بقاء الإسلام وهوية الأمة المسلمة.

والإشارة إلى مواجهة الإنجليز والسوفييت تربط هذه المجاهِدات بتاريخٍ أفغانيٍ مجيد، وهذا التوصيف يقوّي الحس بالتسلسل بين الأجيال ويبلغ رسالة مفادها أن نضالات اليوم هي امتداد لنضالات الأجداد؛ وبالتالي إن تكرّر الاستهداف فسيبقى هذا التسلسل قائماً لأن الجهاد والدفاع عن الدين جزءٌ من هويتنا الدينية والوطنية.

الفقرة الثالثة “بالشهادة يبرهن المسلم أن الإسلام أعزّ عليه من كل شيء…”

تدور هذه الفقرة حول قيمة الشهادة في الإسلام، وتؤكد أنّ التفاني في سبيل الإسلام أعلى قيمة لا ينبغي للمجاهد التواني عنها، وتبيّن العلاقة الحميمة بين الجهاد والشهادة. كما تشير إلى فضل تضحيات المجاهدين وأنهم أصبحوا رموزًا لتثبيت القيم الإسلامية عبر التاريخ.

وإلى أعدائنا توجه رسالة واضحة: إنّكم تواجهون أناسًا مؤمنين ليسوا خائفين من الموت بل يؤمنون بالحياة الآخرة؛ وهذه قوة أخلاقية تُصعّب هزيمة من لا يخشى الموت.

الفقرة الرابعة: “هذه أرض الشهادات… هذه أرض نذور الرؤوس.”

تعيد هذه الفقرة تذكير بتاريخ الوطن المجيد وتقديس ساحته، وتؤكّد أن هذه الأرض فخورة بأن تُراق فيها الرؤوس زكيةً في سبيل الله، وأنّه لا يتوقع أحد أن نتردد عن التضحية في سبيل الدفاع عن قيمنا.

وتنشئ إطارًا تاريخيًا يُظهر كيف حفظت هذه الأرض بنفسها عبر التضحيات المتوالية، وهو خطاب يبعث شعور الفخر والأصالة ويلهم الجنود بأنهم ورثة التضحيات وعلّتهم أن يواجهوا الظالمين بنفس النهج.

الفقرة الخامسة: “أعداؤنا حينما انهزموا عسكريًا انتقلوا إلى الحرب الفكرية والنفسية…”

تنبه هذه الفقرة إلى باب آخر في المواجهة: إذا انهزم الخصم في الميدان المادي، فسوف يلجأ إلى حرب نفسية وفكرية، وهي إشارة تكتيكية بأن ينتبه الناس من تأثير الدعايات والإعلام، وأن الجبهة لا تقتصر على المواجهة الميدانية بل تشمل الصراع الفكري والنفسي أيضاً.

الفقرة السادسة: “والله العظيم أنا أحب أن أُجزّئ نفسي في سبيل الله وحماية هذا النظام الشرعي…”

هذه العبارة تعكس عهداً وتصميماً متجددًا؛ فهي ليست مجرد حلفٍ لفظي، بل تجسيد لوعدٍ أمام الناس والزملاء بالوفاء والإقدام، وإعلانٌ عن قدرة القائد على التضحية حتى بذاته من أجل استمرارية النظام واستقراره وتطبيق الأحكام الشرعية. وهذه الهيبة الروحية دلالة على إيمان راسخ.

كما أن هذا العهد واليمين يظهِران ميزات القيادة الحقيقية التي تتقاسم التضحية بنفسها مع الآخرين وتشدّ الهمم لتكون في طليعة الميثاق.

الفقرة السابعة: “سوف نقف بحزم أمام كل ما يُهدّد بقاء نظامنا واستقراره…”

توضح هذه الفقرة موقفًا صلبًا لا هوادة فيه إزاء كل ما يهدد النظام، سواءً من الداخل أو الخارج. إنّ الإمارة تُعامل أي محاولة لزعزعة استقرارها أو تقويض وجودها كعدوانٍ يستلزم ردًا حازمًا، وهذه رسالة إلى الداخل والخارج أنّ لا تهاون في الدفاع عن النظام وتطبيق أحكامه.

الفقرة الثامنة: “أن أولادكم وشبابكم واختيار قلوبكم قد اختاروهم لله تعالى شهادة…”

في هذه الفقرة تجلِّي ألم ووجع تجاه فقد الأحبة، مع تضمين الصبر بتفسير اختيار الشهادة كقضاءٍ من الله ومنحة، وربط الأمر بمشيئة الحقّ، ما يعطي ذوي الشهداء سلوانًا بأنّ تضحية أبنائهم ليست ضائعة وأنها مرتبطة برضا الله وقضائه.

كما تتيح للعائلات المتألمة نوعًا من التسلية النفسية وتؤكد على أهمية ذكر ودعم الشهداء ودورهم في ضمان استمرار الدعم العسكري والمعنوي للنظام.

الفقرة التاسعة والأخيرة:

“فلنقف بحزم مع إمارة الإسلام ومع أمير المؤمنين حفظه الله…”

تُختم الكلمة بنداءٍ واضحٍ وطالبٍ بالالتفاف حول القيادة الشرعية، ما يُعتبر فريضة طاعة دينية وسياسة رمزية لاستمرار النظام.

كما تدعو الفقرة إلى وحدة الصف والتمسك بأمر القائد، وتوضّح ضرورة حماية العقول من الدعايات والمخططات الخارجية، وأن الطاعة شرطٌ أساسي لاستدامة أي بنية تنظيمية وعسكرية.

Exit mobile version