نصف قرن ضائع!

أبو عبيدة فضلي

منذ زمن بعيد، عندما يُذكر اسم أفغانستان في أي ركن من أركان العالم، يتبادر إلى الذهن فوراً: هل هي تلك البلاد التي مزقتها الحرب؟ أم تلك البلاد الفقيرة؟
بينما يعرف العالم بأسره من هم صانعو البؤس في هذه الأرض؟
لكننا الأفغان، الورثة الشرعيون لهذه الأرض التي يزخر تاريخها ببطولات الاستقلال والعيش بحرية، نواجه دائمًا العديد من التحديات فيما بيننا، والتي يعود أصلها إلى أجهزة الاستخبارات ومصالح الدول الأخرى؛ والمثال الواضح على ذلك هو تمهيد الطريق للاحتلال السوفياتي السابق، الذي جر البلاد إلى حرب بالوكالة. بعد النصر، لم يتمكن المجاهدون آنذاك من بناء حكومة شاملة تلبي احتياجات شعبهم، فاندلعت الخلافات بينهم، ولا يزال تأثير ذلك باقيًا على الشعب الأفغاني المظلوم لقرون، ويمكن تلخيص بعض النقاط الهامة كالتالي:

١-تمهيد الطريق لاحتلال البلاد من قبل أصحاب القوة والثروة، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية؛ فرض هؤلاء المحتلون رعبًا في البلاد لدرجة أن الكتاب يخشون الكتابة عن جرائمهم.
نعم! هذا ليس مبالغة، حتى المتسببون في الاحتلال لم يستطيعوا الصمت أكثر من ذلك، فصرخوا بصوت عالٍ. قال حامد كرزاي، خلال فترة رئاسته، مرارًا وتكرارًا في وسائل الإعلام إن قوات الناتو تقتحم المنازل ليلاً وتعذب دون أمر قضائي. والمأساة الأكبر من ذلك كله هي أن أرض أفغانستان كانت في الواقع مختبرًا للقنابل الأمريكية الصنع؛ كانت تجربها أينما شاءت، بغض النظر عن عدد الأطفال المظلومين الذين يُقتلون وعدد البيوت التي أصبحت بلا عائل، و أبرز مثال على ذلك تجربة قنبلة تُعرف بـ “أم القنابل” في أرض أفغانستان.

٢- هيمنة الفساد: في حكومة الجمهورية، استشرى الفساد في جميع الإدارات الحكومية بشكل واسع مثل السرطان الذي لا علاج له، وشمل جميع الجوانب المادية والمعنوية. وهذا واضح للجميع مثل الشمس الساطعة، فما كان يجري في الوزارات، خاصة (الدفاع والداخلية) مثير للخجل، حيث كانت تمنح رتب جنرالات للفتيات، وأطلقهن الشعب بسخرية لقب “جنرالات الكبد” (jigar general). بعد سقوط النظام المحتل، رفع البعض أكمامهم ويتحدثون عن الأيام السود للجمهورية، وكيف ساد الفساد الأخلاقي  الإدارات الحكومية. حتى أنهم قالوا بأفواههم إن معيار التعيينات في وزارة (الخارجية) كان جمال النساء فقط، ووصفوا تلك الأيام بأنها أسوأ أيام حياتهم.

٣-مكافحة الثقافة الأفغانية: لا شك أن أفغانستان تتمتع بثقافة فريدة في العالم بأسره، وقد أشاد بها المؤرخون دائمًا بفخر. ولكن خلال فترة الاحتلال، بدأت الثقافة الأفغانية شيئًا فشيئًا وبشكل منهجي تُنسى بل وتُحذف من بين عامة الناس على يد المحتلين العسكريين والثقافيين. وقد أثر هذا الأمر في المقام الأول على الأسرة ثم على المجتمع، ومن الأمثلة على ذلك التقليد الأعمى للأساليب الغربية، مثل حلاقة اللحية كـ “لينين”، وترك الشوارب كـ “هتلر”…
حتى الطبقة النسائية انضمت إلى هذا الركب، خرجن إلى شوارع المدينة بدون حجاب (أو وشاح) وهتفن بشعار الديمقراطية. ولم تكن وسائل الإعلام بمنأى عن هذا المرض السرطاني، وتنافست فيما بينها على أي وسيلة إعلامية تبث أكبر قدر من الفحش، وأصبح الفائز هو “الغرب” بمعنى الكلمة. ومن الأمثلة على ذلك إقامة برامج مثل (الموضة)، و”نجم أفغانستان”، وما إلى ذلك، حيث يتم عرض رقص الفتيات الأفغانيات وعرض أجسادهن.

بالطبع، لا ينبغي أن ننسى أننا (جميع الأفغان) المتضررون الرئيسيون من قضية نصف قرن هذا البلد، حيث غرقنا في الفقر بكل معانيه: الفقر الاقتصادي، والفقر الثقافي، والفقر التعليمي وغيره.
كل ما ذكر أعلاه كان مجرد نماذج، وإذا أردنا دراسة هذه القضايا بشكل عام، فسيستغرق ذلك سنوات، والهدف الرئيسي لمناقشتنا هو نصف القرن الضائع، بينما كان بإمكاننا تحقيق تغييرات إيجابية في أفغانستان خلال هذا النصف قرن، خاصة في العشرين عامًا الماضية. كان بإمكاننا بناء البنية التحتية، وتنفيذ المشاريع الكبرى، والاستثمار في قطاعات التعدين، وما إلى ذلك، ودفع بلادنا نحو التقدم والازدهار. ولكن بدلاً من ذلك، قام القادة الخونة، الذين استعبدوا هذا الشعب المظلوم لسنوات، بإرواء أنفسهم من دماء هذا الشعب، وسرقوا من جيوب موائد الشعب، وبنوا ثروات شخصية تقدر بملايين، بل بمليارات. وفي النهاية، وكما يقول المثل الشهير: “الخائن خائف”، فضلوا الفرار.

النتيجة:
لقد أضعنا نحن الأفغان نصف أعمارنا في الحرب، ودُمرت وطننا من قبل المحتلين. والآن، بفضل الله، بعد انتصار الإمارة الإسلامية، يشعر شعبنا وأرضنا بالأمن والسلام التامين، وبفضل الله المتعال، تم تشغيل مشاريع عامة كبيرة مثل سد “قوش تيبه”، و”كاسا 1000″، و”تابي”، وما إلى ذلك، مما أتاح فرص عمل لمواطنينا.

خلال هذه السنوات الأربع، تم إحياء المشاريع العامة لوزارة البناء وتشغيلها، وإذا نظرنا إليهم من منظور آخر، ندرك أنهم يحملون تراث ألف عام. نقدر جميع الإحسانات، ونشيد بها.

Exit mobile version