جواب مكة المكرمة على رسالة السلطان محمد الفاتح
لقد فتحنا رسالتكم بأدب، وقرأناها بجوار الكعبة المشرّفة أمام أهل الحجاز والعرب، فرأينا أن في هذه الرسالة آيات من القرآن الكريم، الذي هو شفاء ورحمة للمؤمنين. ووجدنا في معناها ظهور معجزة رسول الله ﷺ، وذلك أن المناطق الواقعة تحت سلطان القسطنطينية قد فُتحت، وهو أمر قد شاع خبره بين الناس.
لقد عُرف سلطانها وقوتها عند العامّة والخاصّة، فشكرنا الله تعالى على أن يسّر لكم هذا الأمر الصعب، ومنحكم النصر والفتح. نحن مسرورون للغاية، وسرورنا أعظم بأنكم أحييتم طريقة أسلافكم، رحم الله أرواحهم وأسكنهم جناته، أولئك الذين أظهروا المحبة لسكان الأرض الطاهرة، ونحن نشكركم على ذلك.
أسباب فتح القسطنطينية
إن انتصار المسلمين وفتحهم للقسطنطينية لم يكن حادثة مفاجئة، بل كانت مساعٍ متواصلة منذ قرون. فقد حاولت أجيال عديدة تحقيق هذا الفتح لإتمام بشارة رسول الله ﷺ، غير أن هذه الجهود اشتدت وتسارعت في عهد بني عثمان. كان السلاطين العثمانيون ثابتين على الأخذ بالأسباب، وكان محمد الفاتح يتّبع فكرًا واضحًا يظهر في حياته الجهادية. وكان شديد الحرص على العمل بهذا القول الإلهي:
﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ﴾ [الأنفال: 60]
كان محمد الفاتح يدرك أن نصرة الدين تقتضي استعمال القوة، وألا يكون هناك تقصير في الإعداد العسكري. وقد قدّم بتصرفاته تفسيرًا عمليًا لهذا المعنى، فجهّز جيشًا قويًا لحصار القسطنطينية، ولم يُهمل جمع أنواع الأسلحة المتاحة في ذلك العصر، مثل: المدافع، السهام، المقاليع، الفرسان، وغير ذلك.
والجيش الذي قاد محمد الفاتح لحصار القسطنطينية كان إعدادُه قائمًا على الأصول والقوانين الشرعية. فقد رُبّوا على الإيمان الخالص، والتقوى، والأمانة، والأخلاق، وكان التوازن العقائدي الإسلامي حاضرًا في تربيتهم، وقاد هذه التربية العلماء الربانيون.
كانت منهجيتهم في التربية قائمة على كتاب الله تعالى وهدي السنة النبوية، وفق أصولٍ منها: أن الله واحد، لا شريك له، لم يُولد ولم يولد، منزّه عن كل نقص، متّصف بجميع صفات الكمال، لا حدّ لذاته العليّة.
الله تعالى هو خالق كل شيء ومدبّر كل أمر:
﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف: 54]
وهو سبحانه مصدر كل نعمة في هذا الكون، سواء كانت صغيرة أو عظيمة، ظاهرة أو خفيّة:
﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله﴾ [النحل: 53]
