ركّز البابا بيوس الثاني، بمهارته وقوته السياسية، على كلا الجانبين. فمن جهة حاول إقناع العثمانيين باعتناق الديانة المسيحية. ولهذا الغرض، وبدلاً من إرسال الهدايا، بعث برسالة إلى السلطان أعرب فيها عن أمله في مساعدته على قبول المسيحية، كما سبق أن دعم قسطنطين وكلوفيس من قبل. وقد وعد البابا السلطان بأنه إذا اعتنق المسيحية فسيغفر له ذنوبه ويغمره ببركاته، بل وتعهد بإعطائه “صكوك دخول الجنة” إذا قبِل بالمسيحية بإخلاص.
لكن لما فشل البابا في هذا المخطط، بدأ يخطط لمؤامرات أخرى، فحاول تخويف السلطان وهدده باستخدام قوته. غير أن نتيجة هذه المؤامرة الثانية ظهرت سريعاً؛ إذ انهزم الجيش الصليبي، وتعرض الهجوم الذي قاده القائد الهنغاري “هونياد” لهزيمة ساحقة.
أما أثر فتح القسطنطينية على الإمبراطوريات الإسلامية الشرقية، فيمكن القول إن فرحة المسلمين في آسيا وإفريقيا لم تهدأ بعد، فقد كان هذا النصر حلماً يراود آباءهم وأجدادهم منذ زمن بعيد، وها هم يشاهدونه يتحقق أمام أعينهم. فأرسل السلطان محمد الفاتح رسائل إلى حكام مصر والحجاز وفارس والهند ليزف إليهم بشرى هذا النصر العظيم.
في البلاد الإسلامية، جرى الإعلان عن هذه البشارة العظيمة من على المنابر، وأقيمت صلوات الشكر، وزُينت البيوت والمتاجر، وكُتبت التهاني على الجدران والأقمشة بألوان مختلفة. ويذكر ابن إياس، مؤلف “بدائع الزهور”، قائلاً:
عندما وصل مبعوث السلطان بهذا الخبر إلى مصر، ضُربت الطبول فرحاً في القلعة، وزُينت شوارع القاهرة، وانتشر النبأ السعيد. ثم بعث السلطان برسالة تهنئة إلى الأمير آخور عثمان.
ويصف المؤرخ أبو المحاسن بن تغري بردي مشاعر الناس وانفعالاتهم بأسلوب جميل، فيقول:
حينما جاء مبعوث السلطان ومعه بعض الأسرى الذين أُسروا من بهندا روم، قلت: الحمد لله، إن هذا النصر العظيم هو محض فضل من الله جل جلاله. وقد جلب المبعوث اثنين من أثرياء إسطنبول أسرى معه. وعندما مثُل أمام سلطان مصر إينال، كانا برفقته.
كانا من سكان القسطنطينية، التي كان بها كنيسة عظيمة في إسطنبول. وقد فرح السلطان كثيراً وبشّر الناس بالنصر، فأقيمت الاحتفالات وضُربت الطبول وزُينت المدينة كما تُزين العروس. وسار المبعوث بالأسرى الاثنين عبر شوارع القاهرة يوم الاثنين 25 شوال، وصولاً إلى القلعة، فيما كانت البيوت والمتاجر مزيّنة احتفالاً بالنصر، وقد أعد السلطان في القلعة الجبلية احتفالاً كبيراً بالمناسبة.
ويشير ابن تغري إلى أن مظاهر الفرح في القاهرة على أثر فتح القسطنطينية كانت عظيمة، إذ استعدت الأمة الإسلامية بأسرها للاحتفالات. وقد بعث السلطان محمد الفاتح برسائل بشرى الفتح إلى ملوك مصر وإيران وشريف مكة وأمراء كرمان وغيرهم. كما أرسل رسائل إلى بعض الدول المسيحية مثل فلاخيا، وهنغاريا، والبوسنة، وصربيا، وألبانيا، وغيرها من الإمبراطوريات المجاورة.
