مصادر تمويل داعش ! الجزء الثامن والعشرون

حجاز تميم

الاحتيال على نظام التأمينات الاجتماعية/الرفاه الاجتماعي

يعمل تنظيم داعش على جمع الموارد المالية لتحقيق أهدافه عبر وسائل مختلفة، مشروعة وغير مشروعة. ومن أخطر وأهم هذه الوسائل استغلالُ نظام التأمينات الاجتماعية أو الرفاه الاجتماعي بصورة غير قانونية، والمعروف باللغة الإنجليزية باسم Benefit Fraud. فهذا الاحتيال ليس مجرد فساد مالي فحسب، بل يُعدّ أحد أخفى وأخطر مصادر تمويل داعش.

فقد استفاد التنظيم عبر هذا الأسلوب في كثير من الدول الأوروبية والغربية، إذ حصلت أفراده على مساعدات حكومية بصورة غير مشروعة، ثم وُجِّهت هذه الأموال لتمويل القتال، والعمليات الإرهابية، والدعاية الإعلامية، وهذا النشاط يُلحق ضرراً كبيراً بالأنظمة القانونية والمالية للدول المستضيفة، كما يشكّل تهديداً مباشراً للأمن العالمي.
ويقع الاحتيال على نظام المساعدات الاجتماعية عندما يحصل شخص أو مجموعة على إعانات حكومية بخلاف الواقع الحقيقي. ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
* الحصول على إعانات بحجة البطالة
* تقديم معلومات كاذبة حول الإعاقة أو دعم الأسرة
* إخفاء الدخل، أو الظروف المعيشية الحقيقية
* الحصول على إعانات بأسماء أشخاص غير مقيمين في البلد فعلياً أو متوفين
وتستغل داعش هذه الآليات لتجميع موارد مالية ثابتة.

جهود داعش في احتيال الـ Benefit Fraud

منذ عام 2014 وحتى 2020، خلال فترة إعلان داعش ما سماه “الخلافة” في سوريا والعراق، بدأت الدول الأوروبية التحقيق في مصادر تمويل التنظيم. ووفقاً لوثائق استخباراتية وقضائية، فقد تمكنت داعش من إنشاء مصدر مالي ثابت وآمن نسبياً عبر الاحتيال على نظام المساعدات الاجتماعية.
وكانت هذه الأنشطة قائمة من خلال شبكة واسعة تستغل ثغرات الأنظمة الاجتماعية والقانونية في أوروبا.
وبشكل عام يمكن تقسيم أساليب داعش في هذا النوع من الاحتيال إلى ثلاث فئات رئيسية:
1. شبكة الطلبات الوهمية
2. استمرار الحصول على المساعدات لأعضاء غادروا البلاد
3. الحصول على الإعانات عبر هويات مزوّرة

وفيما يلي التفصيل:

أولاً: شبكة الطلبات الوهمية
تُعد شبكة الطلبات الوهمية إحدى أهم حلقات التمويل لدى داعش، إذ تضم أفراداً مرتبطين بالتنظيم مباشرة أو متعاطفين معه. وتهدف هذه الشبكة إلى الاستفادة الممنهجة من ثغرات نظام المساعدات الاجتماعية في الدول الأوروبية.

1. كيفية عمل الشبكة
يقوم أفراد مرتبطون بداعش أو مؤيدون لها بتقديم طلبات مساعدات اجتماعية لصالح أشخاص غادروا البلد للقتال، بحيث تظهر الطلبات وكأن مقدّمها لا يزال مواطناً مقيماً عاطلاً عن العمل ويستحق الإعانة.
ويتضمن ذلك:
* تعبئة النماذج والوثائق نيابةً عن مقدم الطلب
* تقديم معلومات مضللة: كإخفاء الدخل، أو تغيير الحالة الوظيفية، أو التلاعب بالبيانات الأسرية
* إيهام الجهات المختصة بأن الشخص ما يزال يعيش في أوروبا ويستحق الدعم قانونياً
وتتولى الشبكة إدارة حسابات ومعلومات أولئك الذين يقاتلون على الجبهات بينما تستمر إعاناتهم في التدفق بشكل غير مشروع.

2. طرق تحويل الأموال
تُنقل الأموال المتحصلة من الطلبات الوهمية إلى شبكات داعش عبر عدة طرق، أبرزها:
1. نظام التحويل غير الرسمي (الحوالة)
وهو نظام مالي تقليدي وسري لا يخضع للرقابة الرسمية، حيث:
* يستلم أفراد الشبكة الأموال في أوروبا
* ويُدفع ما يقابلها لأفراد داعش في سوريا أو العراق أو دول أخرى
* دون أن تُسجَّل أي حركة مالية في البنوك الرسمية
مما يقلل احتمالات كشف العملية.

2. التحويل عبر العملات الرقمية
تستخدم بعض الشبكات العملات الرقمية مثل “البيتكوين” و”مونيرو” وغيرها من العملات ذات الخصوصية العالية، حيث:

* تُخفى الهوية بالكامل
* ويصعب تتبّع التحويلات
* وتُرسل مبالغ صغيرة ومتكررة لتجنب الشبهات

3. الوصول إلى الحسابات البنكية عن بُعد عبر شرائح الاتصال.

تُسجَّل بعض الحسابات في أوروبا، لكن:
* يُستخدم خط الهاتف وكلمات المرور للوصول إليها من مناطق الصراع
* يقوم الوسطاء بسحب الأموال من أجهزة الصراف
* أو يحوّلونها إلكترونياً إلى حسابات أخرى
وهذه الطريقة شائعة خصوصاً عندما يغادر مقدم الطلب أوروبا لكن يظل حسابه البنكي فعّالاً.

4. التحويل النقدي عبر الوسطاء
وهو أسلوب تقليدي لكنه ما يزال فعّالاً:
* يتولى الوسطاء جمع الأموال نقداً
* ثم تُنقل عبر التهريب أو المسافرين أو قنوات التنظيم إلى داعش
* وتُدار العملية غالباً عبر شبكة محلية صغيرة لتنظيم الاستلام والتخزين والتمرير.

خصائص هذه الشبكة
* أنها منظمة، مستمرة، وسرية للغاية
* تُخفي الموقع الحقيقي لمقدمي الطلبات
* تستغل ثغرات نظام المساعدات الاجتماعية الأوروبي بمهارة
* وتوفر دخلاً شهرياً ثابتاً للتنظيم، مما يجعلها أحد أكثر مصادر تمويله أماناً واستقراراً.

Exit mobile version