كيف سيكون احتفال الفلسطينيين بالعيد؟

#image_title

حسان مجاهد

 

هذا السؤال يفتح أمامنا نافذةً على واقع مؤلم يعيشه الشعب الفلسطيني في ظل الحرب العدوانية التي يتعرض لها. تعالوا لنلقي نظرةً على الوضع الراهن، ونتأمل في تأثيره على احتفالاتهم بالعيد.

بعد أن وصل عدد ضحايا هذه الحرب الهمجية إلى 120 ألفًا، وتم تدمير 350 ألف منزل، وقد دمرت قطاع غزة تمامًا بفعل القصف المتواصل، صارت المحلات التجارية والأسواق خالية من الثياب الجديدة، ولا يوجد مسجد لأداء صلاة العيد، ولا تتوفر حلويات العيد للأطفال.

يروي الشعب الفلسطيني قصة الطفل اليتيم الذي فقد والده، الذي كان يُوقظه في الصباح الباكر ويحضّر له الحلويات ويأخذه معه إلى صلاة العيد. وهذا العام، للأسف، يحتفل الشعب الفلسطيني بهذا العيد الكئيب، الذي فقدت فيه العائلات جميع أفرادها، للمشردين الذين لا مأوى لهم. وتنادي أطفالهم بتوفير الملابس الجديدة، ولكنهم لا يستطيعون تحقيق ذلك.

في مدينة “رفح” قال الطفل اللاجئ “سيف” لوالده “كمال” قبل العيد بأيام: “يا أبي، هل من الممكن أن نعود إلى بيوتنا في هذا العيد؟” ووالده يعيش في خيمة ضيقة تبلغ مساحتها ثلاثة أمتار في ثلاثة أمتار. ثم سأله والده: “هل تتمنى أن نرى ‘سليم’ على قيد الحياة مرة أخرى؟ هل تستطيع أن تشعر بسعادة العيد في هذا الموقف الذي يُستشهد فيه الثلاثة؟” يتذكر سيف عيد الأضحى في العام الماضي، وهو في مثل هذا الوقت من العام الماضي، ذهب مع والده وأمه وإخوته الثلاثة لشراء ملابس جديدة. والآن، ينظر الآلاف إلى الخيام التي يعيش فيها آلاف اللاجئين.

وفيما يخص الحصيلة الكارثية للحرب، فقد أكد المتحدث الرسمي باسم المكتب الإعلامي للحكومة، إسماعيل الثوابتة، في حديثه لوسائل الإعلام المصرية “اليوم السابع” أن عدد ضحايا الحرب وصل إلى 201 ألف شخص، من بينهم 33 ألف شهيد و7 آلاف مفقود، و75 ألف جريح، و3500 مسجون لدى الاحتلال. وظهر أن ثلاثة وسبعون بالمائة من الضحايا هم نساء وأطفال ومدنيون، وقد فقد ما يقرب من 150,000 شخص مأواهم ومنازلهم، وتم تدمير أكثر من 1000 مسجد ومدرسة ومستشفى.

واستشهد العديد من النساء والشيوخ والأطفال والمرضى في غزة والمحافظات الشمالية الأخرى بسبب الجوع الشديد والمجاعة.

إن هذا الواقع المأساوي يلقي بظلاله الثقيلة على احتفالات العيد لدى الفلسطينيين. وبينما يبقى الأمل حاضرًا في قلوبهم، فإنه من الواضح أنهم يواجهون تحديات هائلة في توفير احتفالٍ لائق بالعيد في ظل الوضع الصعب الذي يعيشونه.

قال “محمود بصل”، الناطق الرسمي باسم الدفاع المدني في غزة: “إن الفلسطينيين يعيشون حالة عجز عن اللجوء إلى صلاة العيد ولقاء أصدقائهم بعد تدمير المساجد والمنازل. إنهم يحملون في قلوبهم عبء لحظات الموت التي تنتج عن العمليات القتالية الهمجية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي، وهذا يزيد من معاناتهم في أيام العيد.

 

ويضيف بصل أنه قبل تدمير المنازل في قطاع غزة، كانت المساجد قد دُمرت بالكامل، ولذا لم يكن للمسلمين في هذه الأيام المقدسة مساحة لأداء صلاة التراويح والعيد، ولم يكن هناك أي مكان في المناطق الجنوبية والشمالية في غزة يمكنهم الاجتماع فيه. وبالتالي، يعاني الفلسطينيون من عدم القدرة على لقاء بعضهم البعض.

تشير الإحصائيات الأخيرة في غزة إلى أن 60% من المنازل هناك قد دمرت، وأن هناك 12 مركزًا صحيًا فقط من أصل 36 مركزًا يعمل تحت ضغط شديد. وقد فقد 625,000 طالب حقهم في التعليم، ومن بين 495 مدرسة تضررت 396 مدرسة. يعيش مليون نازح في مناطق جنوب وشمال غزة. وبالإضافة إلى ذلك، تعرضت البنية التحتية وشبكات التوزيع ومصادر إمدادات الكهرباء والطاقة الشمسية لأضرار جسيمة. ويعاني 23% من الأطفال من سوء التغذية، كما فقد أكثر من 563 فلسطينيًا حياتهم بسبب صعوبة الوصول إلى مصادر المياه، وتوقف 83% من آبار المياه الجوفية عن العمل.

 

وقد صرح الصحفي الفلسطيني يحيى اليعقوبي قائلاً: “سيقضي مسلمو غزة العيد في حالة حزن وفراق عن أصدقائهم تماماً كما حدث في رمضان، والعديد منهم سوف يذهبون لزيارة القبور بدلاً من الأحياء”.

وأضاف، “إن هذه الحرب في غزة تختلف كثيراً عن الحروب السابقة، حيث بلغ عدد الشهداء في الحرب الكبرى عام 2014 حوالي 2100، ولكن هذه المرة ارتففع عدد الشهداء إلى أكثر من 32,000 شهيد”.

كيف يمكن لنا أن نشعر بالفرحة في رمضان والعيد، وقد وصل الحزن والألم إلى كل بيت، ونزح مليون وأربعمائة ألف شخص تركوا منازلهم. لقد مر رمضان، لكننا لم نعرف كيف نستمتع بالرمضان، فقد غابت الكهرباء عنا لمدة ستة أشهر. في السنوات الماضية، وخلال العشر الأواخر من شهر رمضان، كانت شوارع غزة مليئة بالناس يستعدون لاستقبال العيد وتزيين منازلهم. في كل عام، يسألنا الأطفال عن السنوات الجديدة التي ستأتي مع قدوم العيد، لكن هذا العام يسألونا فقط متى سنعود إلى بيوتنا؛ لأن هذه هي رغبتهم العظيمة الوحيدة.

وقال “عماد زقوت”، وهو لاجئ من شمال غزة، إن العديد من العائلات انفصلت في شمال غزة وجنوبها. لقد أرسلوا زوجاتهم وأطفالهم إلى الجنوب وتركوا وحدهم في الشمال. يعتبر هذا العيد صعبًا للغاية في حياتهم.

إننا ندعو الله -سبحانه وتعالى- أن يضع حدًا لهذه الوحشية ضد المسلمين الفلسطينيين المضطهدين، وأن يذل أعدائهم الألداء. ونأمل أن يبذل حكام البلاد الإسلامية قصارى جهدهم لوقف الحرب، مستندين إلى التعاطف والتآخي مع المسلمين وإزالة قيود العبودية والتملق التي يمارسونها تجاه الكفار.

باختصار، يمكننا أن نقول إن الشعب الفلسطيني يحتفل بهذا العيد الحزين والمليء بالمحن بأفضل طريقة يستطيعون، ورغم الصعاب الكبيرة التي يواجهونها، فإنهم يبقون قويين ومصممين على الاحتفال بقدر استطاعتهم والمثابرة في الحفاظ على هويتهم وثقافتهم الفلسطينية الغنية.

اللهم إنا نستودعك أهالينا في غزة العزة بحفظك واحفظهم وبجنودك وانصرهم وبقوتك وجبروتك أذل الصهاينة وعذبهم بأيدي المؤمنين المجاهدين.

ابو صارم
Exit mobile version