غزوات رسول الله ﷺ والدروس المستفادةمنها! الجزء الثامن والعشرون

أبو ريان حميدي

غزوة أُحد العظيمة:
غزوة أُحد هي ثاني أكبر غزوة في تاريخ الإسلام، وقعت في مواجهة مشركي مكة. ويمكن القول إنها أعظم من بدر، سواء من حيث عدد المقاتلين من كلا الجانبين أو من حيث قوة الجيش. في هذه الغزوة تعرض المسلمون لاختبار شديد، فبعد أن ذاقوا في بدر حلاوة النصر، ذاقوا هنا مرارة الهزيمة وكثرة الشهداء.

وفي هذه الغزوة وقعت تضحيات وبطولات نادرة، لا يزال تاريخ الإسلام يتزين بها، ولم يسجل التاريخ الإنساني مثيلاً لها إلى اليوم. وفيها دروس عظيمة للمؤمنين في كل مجال: في مجال تثبيت العقيدة، في مجال التضحية من أجل الإسلام، وفي مجال طاعة الأمير. وجميع هذه الجوانب تتضح للمرء بجلاء عند دراسة هذه الغزوة دراسة دقيقة.

أسباب الغزوة:
لهذه الغزوة أسباب عديدة يمكن تقسيمها إلى اجتماعية واقتصادية وسياسية:

1- السبب الاجتماعي:
عندما حقق المسلمون نصراً ساحقاً في بدر وقتلوا كبار قريش، نالوا من هيبة قريش ضربة قاضية. فأضمرت قريش نيران الانتقام في صدورها، وكانت بانتظار الفرصة المناسبة للثأر.

فبعد بدر أخذ مشركو مكة يستعدون لحرب جديدة، إذ لم تهدأ في قلوبهم نار الثأر. ومن أجل ذلك حُجزت أموال القافلة التي نجت يوم بدر بأمر من زعماء قريش، ووُضعت في دار الندوة ولم تُسلَّم لأصحابها، حتى تُستخدم في تجهيز الجيش ضد المسلمين. وكانت تلك القافلة تضم ألف بعير وبضائع بقيمة خمسين ألف دينار.

فجاء بعض كبار قريش مثل: جبير بن مطعم، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، والحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي ربيعة، وحُويطب بن عبد العُزى إلى أبي سفيان وقالوا له: يجب أن نستفيد من هذه الأموال لتجهيز جيش لمحاربة المسلمين، وبهذا يرضى أصحاب الأموال أيضاً.

فقال أبو سفيان: إن كان في ذلك رضا قريش فأنا أول الحريصين على هذه الحرب، فأنا أكثر الناس طلباً للثأر؛ فقد قتل المسلمون ابني (حنظلة) وكبار قومي يوم بدر. وهكذا جُمِّع من أموال القافلة جيش عظيم.

وقد أشار الله تعالى إلى هذا الأمر في قوله:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ…﴾ [الأنفال: 36]

2- السبب الاقتصادي:
كان جيش الإسلام يتوسع يوماً بعد يوم وتزداد رقعة دار الإسلام، مما أثر سلباً على اقتصاد قريش. فقد كان اقتصاد قريش قائماً على رحلتين تجاريتين: رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام.

في اليمن كانوا يبيعون ما جلبوه من الشام ويشترون سلعاً أخرى، وفي الشام كانوا يشترون ما يبيعونه في اليمن، وهكذا دارت تجارتهم. لكن دولة المدينة حالت بينهم وبين رحلة الشام، إذ كانت الطريق تمر عبر المدينة المنورة، فتعذر عليهم السفر إليها. وبسبب ذلك تعطلت أيضاً رحلة اليمن، لأن بضائع الشام لم تعد بحوزتهم، فحُرموا من بيعها هناك.

فأصيبوا بأزمة اقتصادية خانقة، وكان استمرارها يهدد وجودهم بالخطر، مما دفعهم دفعاً إلى مواجهة المسلمين في ساحة القتال.

3- السبب السياسي:
لقد فقدت قريش هيبتها في المنطقة بعد هزيمة بدر، ولم تعد لها المكانة والوجاهة التي كانت لها من قبل. فأرادت استعادة مكانتها وهيبتها، ورأت أن الطريق إلى ذلك هو خوض الحرب ضد المسلمين.

Exit mobile version