غزوات الرسول الله ﷺ والدروس المستفادة منها! الجزء السادس والعشرون

أبو ريان حميدي

حصار بني قينقاع وإجلاؤهم:
عندما بلغ رسول الله ﷺ خبر مظلومية المرأة المسلمة ومكر اليهود، تألم بشدة، وكاد صبره ينفد. فعيّن أبا لبابة بن عبد المنذر نائباً عنه في المدينة، وسلم راية الجيش إلى حمزة بن عبد المطلب، وتحرك في منتصف شهر شوال من السنة الثانية للهجرة، يوم السبت، باتجاه بني قينقاع.

لما علم اليهود بذلك، تحصنوا في حصونهم، فقام جيش الإسلام بمحاصرتهم خمسة عشر يوماً كاملة، حتى ألقى الله الرعب في قلوبهم، فاستسلموا وخضعوا لأمر رسول الله ﷺ.

أوثقهم المسلمون جميعاً وأخذوهم أسرى، فجاء حينها رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول إلى رسول الله ﷺ وقال له: “أحسن إلى حلفائي”. وكان بين بني قينقاع والخزرج عهد تحالف. فلم يجبه النبي ﷺ أول مرة، ثم أعاد الطلب، فأعرض عنه النبي ﷺ. عندها أمسك ابن أبي بثوب النبي ﷺ وقال: “يا محمد! إنهم حلفائي، وكانوا ثلاثمائة دارع وأربعمائة مقاتل مدجج بالسلاح، حموني من كل عدو، أفأستأصلهم في يوم واحد؟ والله إني أخشى الدوائر!”

قال له النبي ﷺ: “أرسلني”، فأجاب: “والله لا أرسلك حتى تحسن إلى حلفائي”.

فشفع لهم ابن أبي، فعفا رسول الله ﷺ عنهم، لكنه أمرهم بمغادرة المدينة وعدم الإقامة فيها أو حولها. فخرجوا إلى منطقة تُسمى أذرعات بالشام، وهناك هلك معظمهم بعد مدة قصيرة. أما المسلمون فقد غنموا غنائم كثيرة، وانتقى رسول الله ﷺ لنفسه ثلاث سيوف وثلاث رماح وثلاث دروع، وبعد إخراج الخُمس وزع الباقي على المجاهدين.
الدروس المستفادة من غزوة بني قينقاع:
1. انحطاط أخلاق اليهود: فقد اختاروا دوماً طريق الغدر والخيانة، سواء في نقض العهود أو في الاعتداء على أعراض النساء بسوء الأخلاق والدناءة. لا يعرفون القيم، إنما يلهثون وراء مصالحهم فقط. وما سياساتهم اليوم تجاه المسلمين إلا امتداد لمكرهم وخداعهم بالأمس.
2. دفاع النبي ﷺ عن شرف المرأة المسلمة: التحرك العاجل للنبي ﷺ يثبت أن صيانة كرامة المرأة خط أحمر عند الدولة الإسلامية، يجب الرد بحزم على من ينتهكه. هذا ميراث نبوي من غزوة بني قينقاع، لكن – للأسف – أُهمل حتى لم تعد صيحات آلاف نساء غزة اليوم توقظ الضمائر النائمة.
3. علاقة المنافقين باليهود: فقد كان عبد الله بن أبي شديد الإلحاح في شفاعته، مما يدل على الصلة الوثيقة بين اليهود والمنافقين في مواجهة الدولة الإسلامية. وقد أشار القرآن إلى ذلك في قوله تعالى: “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ”.
ومع ذلك قَبِل رسول الله ﷺ شفاعة ابن أبي، مما يثبت أن المنافق يُعامل في الدنيا معاملة المسلم ظاهرياً، رغم القرائن الكثيرة على نفاقه، ويترك أمر باطنه إلى الله تعالى الذي يحكم فيه يوم القيامة.
الأحكام الإسلامية لها جانبان:
جانب يُطبّق في الدنيا، ويُبنى على الظاهر والأدلة الحسية والقضائية.
وجانب يُرجع فيه إلى النيات والسرائر، وهذا إلى الله تعالى يوم القيامة.
وبذلك، فإن معاملة المنافقين في الدنيا تُبنى على ظاهر إسلامهم، أما حقيقة ما في قلوبهم فحسابها عند الله وحده.

Exit mobile version