طرق استقطاب الفكر المتطرف! الجزء الثالث

بشير ليوال

الصيادون الرقميون للخوارج في العصر الحاضر

لقد استخدم خوارج داعش في العصر الرقمي التكنولوجيا الحديثة بمهارة فائقة لصيد العقول الضعيفة. فقد حوّلوا الإنترنت إلى ميدان حرب جديد؛ حربٌ استبدلت فيها الطلقات بالنقرات. أصبح التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليس مجرد وسيلة اتصال، بل سلاحًا فتاكًا قادرًا على تلويث الشباب في أصقاع الأرض بصمت وسرعة.

فهم هؤلاء الخوارج الوحشيون نفسية الجيل الجديد بعمق، وأنتجوا محتوى يثير في آن واحد الإثارة العاطفية، ويشعر بالانتماء، ويمنح راحة روحية زائفة. هذا الخليط السام كان له تأثير مدهش على العقول الحساسة.

استخدم هؤلاء الدواعش بذكاء مختلف المنصات؛ رفعوا على يوتيوب فيديوهات احترافية على طراز هوليوود، وخلقوا على تويتر هاشتاغات جذابة انتشرت كالفيروس. أنشأوا مجموعات سرية على تليجرام يصعب تعقبها، بل وصمموا ألعاب كمبيوتر تتيح للأطفال التعرف تدريجيًا على الأفكار المتطرفة. داعش كانت تدرك جيدًا أن العصر الجديد يتأثر أكثر بالوسائط المتعددة والمحتوى التفاعلي من الكتب والخطب.

لكن أخطر استراتيجيات داعش في الدعاية الإلكترونية كانت الطابع الشخصي للرسائل. كانوا يحللون بيانات مستخدمي التواصل الاجتماعي ليعرفوا نوع المحتوى الذي يستجيب له كل فرد. فمثلاً، يُرسل إلى الشاب الأوروبي الذي يعاني من الوحدة رسائل صداقه وانتماء، بينما يُعد للشاب في الشرق الأوسط الذي يعاني من الفقر وعود مالية كاذبة. هذا التوجه المستهدف يعزز فرص نجاحهم بشكل كبير.

هذه التجربة من قبل الدواعش المتطرفين وثّقت حقيقة سوداء في صفحات التاريخ: كيف يمكن استخدام التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي ليس فقط لخدمة الإنسانية، بل أيضًا لهدمها.

لمواجهة هذا الخطر الرقمي، هناك حاجة إلى استراتيجية متعددة الجوانب. من ناحية، يجب تعزيز التكنولوجيا للتعرف على المحتوى المتطرف والقضاء عليه، ومن ناحية أخرى، يجب رفع مستوى الوعي الإعلامي لدى المستخدمين. والأهم من ذلك، ملء العالم الإلكتروني بمحتوى إيجابي وجذاب حتى لا يبحث الشباب عن المعنى الحقيقي للحياة في فيديوهات الخوارج الدموية الافتراضية. ربما هُزمت داعش في الميدان العسكري، لكن الحرب في الفضاء الافتراضي ما زالت مستمرة؛ حرب تتطلب الذكاء والمعرفة والقدرات الإبداعية للانتصار.

أنشأ هؤلاء الخوارج الرقميون شبكة معقدة من المواقع والقنوات البديلة كنظام مقاوم لإزالة المحتوى. فبمجرد إغلاق حساب أو قناة، تظهر فورًا عشرات الحسابات الجديدة مع محتوى مسبق. يتواصلون مع أنصار جدد عبر الألعاب الإلكترونية وغرف الدردشة السرية، وينظمون مسابقات جائزة للأطفال المراهقين ليوقعوهم تدريجيًا في شباك التطرف.

ومن المثير للاهتمام أن داعش كانت تمتلك إستراتيجيات خاصة لكل فئة عمرية؛ مقاطع الأكشن وألعاب الفيديو لجذب المراهقين، مناقشات فلسفية نظرية وأفكار مؤامرات للطلاب، وأدلة دينية لجذب كبار السن. هذه التقسيمات الماكرة تكشف كيف يمكن لجماعة متطرفة أن تستغل علم النفس والاختلافات العرقية لأغراضها الخبيثة.

Exit mobile version