طاعون باسم داعش! الجزء السادس والعشرون

أبو هاجر الکردي

الفلوجة؛ رمز الصبر والصمود في وجه المحتلّين
تقع مدينة الفلوجة في محافظة الأنبار العراقية، وبعد احتلال العراق من قِبل الغرب عام 2003، أصبحت واحدة من أبرز رموز الجهاد والتحدي ضد الاحتلال، حيث تحولت بسرعة إلى ساحة مواجهة شرسة بين القوات الأمريكية الغازية والجماعات الجهادية في العراق، نظرًا لأن غالبية سكانها من أهل السنة، وكانت تتميز بخصوصيات دينية وثقافية.
لم تكن مقاومة الفلوجة مجرد رمز لصمود أهلها، بل أصبحت نموذجًا يُحتذى به للعراق وسائر مناطق العالم الإسلامي. وقبل الخوض في تفاصيل ملحمة الفلوجة، لا بد من الإشارة إلى أهميتها الجغرافية والاستراتيجية؛ إذ تقع الفلوجة على بُعد 65 كيلومترًا غرب العاصمة بغداد، على الطريق الرئيس الواصل بين بغداد وسوريا.
حول هذا الموقع الجغرافي الفلوجة إلى نقطة حيوية للسيطرة على التحركات اللوجستية والعسكرية. كما أن قربها من حدود السعودية والأردن جعلها محطّ اهتمام استراتيجي خاص من قبل الولايات المتحدة.

بداية المقاومة في الفلوجة
في الأيام الأولى من الاحتلال الأمريكي للعراق، كانت الفلوجة من أكثر المناطق اضطرابًا، وبدأت شرارة الجهاد تشتعل عندما دخلت القوات الأمريكية المدينة، وبدأت في مداهمة المنازل، واعتقال الأهالي على نطاق واسع، وانتهاك المقدسات الإسلامية. ومن أبرز الأحداث التي فجّرت غضب السكان، ما وقع في أبريل 2003، حين أطلقت القوات الأمريكية النار على مظاهرة لأهالي الفلوجة الرافضين للاحتلال، مما أسفر عن استشهاد عشرات المدنيين، وقد شكّل هذا الحدث نقطة تحول نحو المقاومة المسلحة في المدينة.
معارك الفلوجة؛ مرحلة دامية في تاريخ المسلمين
أ) المعركة الأولى للفلوجة (أبريل 2004):
بعد مقتل أربعة من المتعاقدين الأمريكيين من شركة “بلاك ووتر” وحرق جثثهم على يد الأهالي، شنت القوات الأمريكية هجومًا واسعًا للسيطرة على المدينة بالكامل، ورغم استخدامها للأسلحة الثقيلة، واجهت مقاومة عنيفة من العشائر، والمجاهدين، وحتى بعض قوات النظام السابق الموالية لصدام حسين.
هذه المقاومة أجبرت القوات الأمريكية على التراجع، ومنعت سيطرتها الكاملة على المدينة، مما اعتُبر فضيحة سياسية للبنتاغون.

ب) المعركة الثانية للفلوجة (نوفمبر 2004):
في نوفمبر 2004، أطلقت أمريكا بالتعاون مع جيشها العميل الجديد في العراق عملية تحت اسم “فجر الغضب”، كانت أعنف من سابقتها، حيث استخدمت فيها القصف الجوي المكثف، والأسلحة المحرّمة كالفوسفور الأبيض، بالإضافة إلى فرض حصار شامل على المدينة.
وقد تمكّنت القوات الأمريكية من السيطرة على أجزاء من المدينة، ولكن بثمن باهظ من الأرواح.
تشير التقديرات إلى أن أكثر من 2500 مدني وآلاف من أبناء السنة قُتلوا خلال العملية، ودُمّرت الفلوجة بشكل شبه كامل، إلا أنها بقيت رمزًا للمقاومة.

طبيعة المقاومة في الفلوجة
تكوّنت المقاومة في الفلوجة من عدة أطراف:
العشائر المحلية، التي اعتمدت على غيرتها الدينية والوطنية ووقفت ضد الاحتلال.
الجماعات الإسلامية، وعلى رأسها تنظيم القاعدة في العراق بقيادة أبو مصعب الزرقاوي رحمه الله، والتي أسهمت في تقوية المجاهدين وجذب أعداد كبيرة من الشباب.
العناصر الموالية لصدام حسين، التي قاتلت الاحتلال بدافع فقدانها للسلطة والنفوذ.
ورغم التباينات الفكرية بين هذه الفصائل، فإنها تعاونت في الفلوجة لتحقيق هدف مشترك: مقاومة الاحتلال.

Exit mobile version