قبل أن نبحث في موضوعات أخرى، نتوقف أولاً عند سؤال أساسي: ما المقصود بالخلافة؟ وهل الخلافة الإسلامية قائمة اليوم؟ وهل من الممكن قيامها؟ ومتى ولماذا زالت آخر خلافة إسلامية؟
الخلافة هي اجتماع المسلمين تحت راية أمير واحد في أكثر من إقليم أو رقعة جغرافية. وفي وقتنا الحاضر لا وجود لخلافة إسلامية، ولا تريد المجتمعات الصهيونية قيامها، غير أنّ كثيرًا من المرات كان المسلمون أنفسهم سببًا في عرقلة الخلافة الحقيقية، إذ لا نحافظ على دولنا الإسلامية القوية، ولا تتعاون الدول الإسلامية مع بعضها كما يفعل الكفار.
حين أُنشئ حلف وارسو ثم زال، وتلاه تأسيس حلف الناتو والاتحاد الأوروبي – أو ما يُسمى بالمجتمعات الصهيونية – فإنما بلغوا هذا المستوى من التنظيم باستفادة من تجربة الخلافة. أما في شأن زوال الخلافة، فإن آخر خلافة عُرفت بالخلافة العثمانية، وسنستعرض بعض آراء العلماء والمفكرين حول أسباب سقوطها:
1. محمد إقبال (شاعر وفيلسوف):
كان إقبال يرى في الخلافة رمزًا لوحدة الإسلام، لكنه كان يؤمن بأن الخلافة ينبغي أن تتطور لتواكب العصر، لا أن تُلغى. اعتقد أن المسلمين يجب أن يكونوا متحركين لأجل استقلالهم، وأن تكون الخلافة كيانًا سياسيًا موحدًا من أجل حرية الشعوب. لكنه رأى أن ضعف الخلافة العثمانية كان في تفرق المسلمين.
2. مايكل هانسن (مؤرخ):
كتب هانسن أن سقوط الخلافة العثمانية كان نتيجة ضعف داخلي، وأزمات اقتصادية، وضغوط الاستعمار الأوروبي. وأكد أن نتائج الحرب العالمية الأولى وانهيار الإمبراطورية العثمانية أنهت الخلافة، وجاءت إصلاحات أتاتورك العلمانية لتجعل النهاية رسمية.
3. يوسف القرضاوي (عالم ومفكر إسلامي):
شدد القرضاوي على أهمية الخلافة، معتبرًا أنها نظام إسلامي يضمن وحدة الأمة كلها. كان يرى أن الخلافة يجب أن تعود، لأن الأنظمة الحالية لا تتوافق مع القيم الإسلامية. وعزا سقوط الخلافة العثمانية إلى اجتماع عاملين: الخلافات الداخلية بين المسلمين وضغوط الاستعمار.
4. ألكسندر شيشكوف (مؤرخ روسي):
ذكر شيشكوف أن الخلافة تضررت بسبب اتساع الإمبراطورية العثمانية وعدم تقبّل الفوارق القومية فيها. وركّز خصوصًا على إصلاحات أتاتورك العلمانية التي أنهت الخلافة لبناء دولة تركية حديثة. وعدّ ذلك وجهًا من وجوه بناء الدولة القومية الحديثة.
5. أحمد أمين (كاتب ومؤرخ مصري):
رأى أحمد أمين أن الخلافة سقطت لأنها لم تُصلَح بما يتناسب مع حاجات الزمن الحديث، ولم تلبِّ متطلبات العصر، وأن نهايتها كانت علامة على الضعف الفكري والسياسي للعالم الإسلامي.
ولو قرأت آراء مختلف الكتّاب حول الخلافة لوجدت أنهم يتفقون على أن الخلافة يجب أن تكون عاملًا لجمع المسلمين ووحدتهم، لكن ما نراه اليوم على العكس: الجماعات التي تدّعي إقامة الخلافة تُفرّق المسلمين، وتزرع بينهم البغضاء، وتنشر الغلو وتضلل الناس بالتفريط والإفراط.
