بقلم: بهير الأفغان
نظرًا لأن أفغانستان تتمتع بموقع جغرافي مميز، فإن كل قوة عظمى تسعى للسيطرة على هذا الموقع الحيوي للحفاظ على قوتها وسحق أعدائها. لذا، تعرضت أفغانستان للاحتلال عدة مرات، حيث بذل الأعداء جهودًا مضنية للسيطرة عليها.
كما هو معروف، تم احتلال هذه الأرض ثلاث مرات في القرن الماضي، وشهدت دمارًا وقتلاً ومئات من المآسي الأخرى. لكنها دائمًا ما صدت هجمات الأعداء واستعادت استقلالها.
لكن بعد كل هزيمة، لم يتخل الأعداء الخبثاء عن طبيعتهم الشيطانية، واستمروا في تنفيذ خططهم الحربية والسياسية بطرق مختلفة.
أحدث احتلال كان بقيادة طاغوت العصر (أمريكا)، وبعد عشرين عامًا من النضال وتضحيات الشعب الأفغاني التي لا تنتهي، طُردت بفضيحة وبؤس من البلاد. لكن كعادتها، بدأت بتخطيط مؤامرات جديدة بمجرد تأكدها من هزيمتها، وسعت لزرع الفتنة والتفرقة بين المجاهدين والشعب.
نجحت في تنفيذ هذا المخطط ووضعت خطة أشد خطورة من السابق، حيث ستشتعل الأمة الإسلامية لسنوات طويلة وسيكون من المستحيل علاج تداعياتها تمامًا. هذه المرة، كان المخطط باسم “داعش”.
لا شك أن أمريكا ودول الناتو الأخرى لا ترغب في السلام ولا في إقامة حكومة إسلامية مستقلة وقوية في هذا البلد، لأن بروز مثل هذه الحكومة سيظهر بوادر يقظة في الأمة الإسلامية، مما سيجعل كل مسلم إما يهاجر أو يسعى لإقامة نظام إسلامي في بلده ويبدأ نضالاً مسلحًا لتحقيق ذلك.
لا شك أن تحقق مثل هذا الوضع سيوجه ضربة قاسية لمصالح وأهداف الأعداء.
بعد احتلال أمريكا للعراق وإدراكها لفشلها، زرعت هناك بذرة فتنة سرعان ما ظهرت باسم “داعش” (الدولة الإسلامية)، وحققت الأهداف التي سعت أمريكا لتحقيقها بدون جدوى.
في النهاية، وصلت شرارة هذه الفتنة إلى أفغانستان، وحاولت وتحاول مواصلة الاحتلال الذي فشلت فيه أمريكا.
في الحقيقة، تم تعيين داعش لتحل محل أمريكا وتستمر في حرق الشعب الأفغاني المظلوم والمعذب لسنوات طويلة.
داعش أيضًا قبلت جميع أوامر أسيادها كعبد مخلص، ولم تفعل سوى تدمير المدارس والمساجد والجامعات والمراكز التعليمية والأماكن العامة. كما اغتالت المدنيين والعلماء والمفكرين وكل من حاول التصدي لهم. هذه الأعمال كانت أمريكا تسعى لتنفيذها لكنها فشلت، بينما نفذتها داعش بكل سهولة.
أثبتت الأدلة والشواهد القاطعة أن داعش مشروع أمريكي، وتحاول استخدامها كأداة لمواجهة أعدائها.
نذكر هنا بعض تصريحات السياسيين والمتقاعدين في ذلك الوقت لتوضيح الأدلة فقط، وليس للتأكيد المطلق على صحتها:
– الرئيس الأفغاني السابق؛ حامد كرزاي، قال في مقابلة مع “نيويورك تايمز” بعد استخدام أمريكا لقنبلة “أم القنابل” في منطقة “أتشين” في ننجرهار بتاريخ 24/1/1396: إن داعش، مثل الحملات الأمنية الأخرى، مجموعة متعاقدة مع أمريكا.
– في 20 نوفمبر 2017، اتهم الرئيس التركي؛ رجب طيب أردوغان، واشنطن بالتعاون المالي مع داعش، وادعى وجود مقاطع فيديو وأدلة تثبت تعاون أمريكا في إخراج عناصر داعش المحاصرين في الرقة.
– النائب عن ولاية ننجرهار في البرلمان الأفغاني السابق؛ ظاهر قدير، قال في جلسة القندهار الأخيرة بتاريخ 11/8/1396: عندما بدأت المعركة بين داعش وطالبان في ننجرهار، كان الجنود الأمريكيون والأفغان يقصفون طالبان بدلاً من داعش.
– شبكة “إيفووارز” نشرت تقريرًا بحثيًا نقلاً عن جندي أمريكي قال: “قمنا بتسليح مجموعة داعش وتحويلها إلى خطر كبير”.
لا شك أن الأعداء المحليين والدوليين لا يريدون السلام في هذه الأرض أبدًا، بل يسعون دائمًا للتدخل العسكري، وظهور داعش كان لتحقيق هذه الغاية، لكي يستخدموا وجود الإرهابيين كذريعة للوصول إلى أهدافهم في الحرب.
مشيرًا إلى أن هذه المجموعة أنشئت لتمديد الاحتلال، قال الرئيس الأفغاني السابق؛ حامد كرزاي، في بداية نشاط داعش: إنها مشروع خارجي وهدفها استمرار الحرب في أفغانستان والمنطقة.
اليوم، داعش ليست أداة بيد أمريكا فحسب، بل أصبحت أداة مباشرة بأيدي دول المنطقة والعالم. تُستخدم للتدخل في أفغانستان، لإيجاد ذريعة جديدة للأعداء لشن احتلال دموي مرة أخرى.
الحقيقة أن حرب أمريكا والعالم الصليبي ضد الإسلام، ويخافون من يقظة الأمة الإسلامية ويسعون دائمًا لتشويه الإسلام والمسلمين.
عند التفكير قليلاً، يجب أن نتساءل: لماذا اختارت داعش أفغانستان الصغيرة لتحقيق الخلافة؟!
لماذا تقاتل المجاهدين دائمًا وتشارك في تدمير المقدسات الإسلامية منذ ظهورها حتى اليوم؟!
هل الأماكن والدول التي يُداس فيها الإسلام، وتُحتقر الشعائر الإسلامية، ولا يستطيع فيها أحد حتى تسمية أطفاله بأسماء إسلامية، ليست أفضل الأماكن للجهاد والنضال؟
في هذه البلدان، يعاني المسلمون من ظروف صعبة ويتعرضون للظلم من قبل الحكام الطغاة.
عليكم التفكير قليلاً في الأسباب التي تطرحونها لمحاربة الحكومة الحالية والتي في الواقع تعني محاربة الشعب الأفغاني، وما مدى توافقها مع الواقع والشريعة؟!
إذا كانت معاييركم في الحرب تعصبًا دينيًا أو سياسيًا، عليكم أن تدركوا أن مثل هذه الاختلافات وسفك الدماء غير المبرر والقتل لا فائدة منها سوى أنها تسبب في تفرقة الأمة الإسلامية.
وإذا كنتم حقًا تريدون أن تصل الأمة الإسلامية إلى أهدافها الواضحة، العزة والشرف، فلنعمل معًا لتعزيز وتقوية الحكومة الإسلامية لكي نصبح أقوى في مواجهة العدو.