خلافةُ داعش: روايةُ دعاة الرُّعب! الجزء الرابع

احمد خراسانی

الخوارج مقارنةً بداعش

عند دراسة المقارنة بين الخوارج التاريخيين وتنظيم داعش المعاصر، تظهر تشابهات مدهشة تكشف عن الارتباط الوثيق بين الأسس الفكرية والأساليب العملية لكلا التيارين؛ فكلاهما يقوم على تفسير سطحي جامد للنصوص الدينية، ويزعم أنه الممثل الوحيد للإسلام الحق، بينما يُخرج سائر المسلمين من دائرة الدين.

أول أوجه التشابه يكمن في منهج التكفير، فكما كان الخوارج يُكفّرون المسلمين في زمانهم بسبب الكبائر، فإن داعش أيضًا، بناءً على تأويلاته الخاصة، يكفّر كل مسلم لا يوافقه في العقيدة. هذا المنطق التكفيري يمنح كلا الجماعتين المبرر لاعتبار دماء المسلمين مباحة، وتقديم العنف باعتباره عملًا “شرعيًا”.

وفي الميدان العملي، انتهجت كلتا الجماعتين العنف المنظّم. فقد اشتهر الخوارج في التاريخ بظلمهم وقسوتهم ودمويتهم، حتى إنهم لم يعفوا عن النساء والأطفال، بينما أعاد داعش إحياء ذلك الرعب في عصرنا من خلال بثّ مقاطع الإعدام وقطع الرؤوس، مستخدمًا العنف لا كوسيلة فحسب، بل كجزء من هويته الدينية المزعومة.

كما يظهر تشابه آخر في مفهوم الخلافة والحكم؛ فقد كان الخوارج يرون أن أي حاكم لا يطبّق الشريعة وفق تفسيرهم الضيق يُعزل ويُقاتل، بينما أعلن داعش “خلافته” واعتبر نفسه الدولة الإسلامية الوحيدة، ووصم جميع الحكومات القائمة بأنها “طواغيت”. هذا الموقف جعل الجماعتين في حالة صدام دائم مع كل البنى السياسية القائمة.

وفي تفسير النصوص الدينية، يكتفي الطرفان بظواهر الألفاظ دون إدراك لروح الشريعة ومقاصد الإسلام الكبرى، وهو ما جعل مفاهيم الرحمة والعدالة والمصلحة بعيدة عن فكرهما. كما أن من أوجه الشبه المهمة بينهما ما سبّبته كل جماعة من شقاق وفرقة داخل الأمة الإسلامية؛ فرفع الخوارج شعار “لا حكم إلا لله” لتفتيت الأمة، وجاء داعش ليؤجّج نار الخلافات المذهبية والطائفية من جديد.

ومع ذلك، هناك اختلافات أيضًا؛ فداعش استفاد من وسائل الإعلام الحديثة لنشر أفكاره على نطاق عالمي، في حين ظلّ الخوارج محصورين في نطاق جغرافي ضيّق. إضافة إلى أن داعش تمتّع بدعم مالي ولوجستي واسع.

تبيّن هذه المقارنة أن الفكر المتطرّف يعاود الظهور عبر التاريخ في أشكال جديدة، وأن فهم هذه التشابهات يساعدنا على إدراك الجذور الفكرية لمثل هذه الجماعات، والاستفادة من دروس التاريخ لتجنّب تكرار أخطاء الماضي.

Exit mobile version