خلافةُ داعش: روايةُ دعاة الرُّعب! الجزء الخامس

أحمد خراساني

عودة الفكر الخارجي في الحركات التكفيرية المعاصرة

في التاريخ الإسلامي، لطالما عادت الأفكار المنحرفة إلى الظهور بأشكال جديدة وبوسائل مختلفة. فالحركات التكفيرية المعاصرة، مثل تنظيم داعش، هي الوريث الفكري للخوارج الأوائل، إذ أعادت إحياء نفس الأفكار الخطيرة، ولكن بأساليب حديثة وأدوات عصرية. إن هذا الإرث الفكري يمثل دليلاً على الخطر المستمر الذي ظل يهدد العالم الإسلامي عبر العصور.

لقد أسّس الخوارج فكرهم على ثلاثة أركان: تكفير المسلمين، والخروج على الحاكم، والعنف. واليوم، يطبّق تنظيم داعش هذه المبادئ نفسها بحدة وجدية مماثلتين. فهم يرون أنفسهم المسلمين الحقيقيين الوحيدين، ويعتبرون سائر الناس مستحقين للقتل.

إن أوجه الشبه بين الخوارج التاريخيين والحركات التكفيرية الحديثة مدهشة حقًّا؛ فكلا الفريقين يعتمد على تفسير حرفي جامد للنصوص الدينية، ويتجاهلان مفاهيم الرحمة والتسامح والمصلحة، ويريان في العنف الحلّ الأول والوحيد لكل مشكلة.

وفي العقود الأخيرة، شهدت أفغانستان بوضوح عودة هذا الفكر الخارجي المتطرف. فالجماعات التكفيرية تستغل الأزمات السياسية والاجتماعية لخداع الشباب واستقطابهم، وتقدّم لهم روايات بطولية عن الشهادة والعنف لاستمالة مؤيدين جدد.

إلا أنّ بعث الفكر الخارجي في العصر الحديث يواجه تحديات جديدة، إذ تستخدم الجماعات التكفيرية التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر أفكارها، وقد تحوّل الفضاء الإلكتروني إلى ساحة جديدة لترويج التطرف، بخلاف الخوارج الأوائل الذين كانت إمكاناتهم محدودة في زمانهم.

ومواجهة هذه الظاهرة تتطلّب فهمًا تاريخيًا عميقًا، لأن إدراك أسباب تكرار هذه الأفكار عبر التاريخ هو السبيل الوحيد لاكتشاف الوسائل الناجعة للتعامل معها.

وقد نبّه العلماء في أفغانستان وسائر الدول الإسلامية مرارًا إلى خطر إعادة إنتاج فكر الخوارج، مؤكدين أن مواجهته لا يمكن أن تكون عسكرية فقط، بل لا بد أن تكون فكرية وثقافية أيضًا. فالتفسير الحقيقي والمنطقي للإسلام القائم على المحبة والرحمة والعدل هو الدواء الأنجع للأفكار المتطرفة.

وتُظهر التجربة الأفغانية أن التطرف لا يُقضى عليه بالعنف وحده، بل ينبغي معالجة جذوره الفكرية والاجتماعية، إذ إن الفقر، والظلم، وغياب التعليم السليم هي البيئة الخصبة التي تنمو فيها النزعات المتطرفة.

إن عودة الفكر الخارجي في الحركات التكفيرية المعاصرة تُعدّ ناقوس خطر للعالم الإسلامي بأسره، فهي تدل على أنه ما لم تُقتلع الجذور الفكرية للتطرف، فسيعود في كل مرة بثوب جديد. ومن هنا، فإن التعليم، والوعي الثقافي، وتعزيز الحوار بين المذاهب هي الوسائل الأكثر فاعلية لمواجهة هذا الخطر المتجدد.

Exit mobile version