خلافةُ داعش: روايةُ دعاة الرُّعب! الجزء الثانی

أحمد خراسانى

الخوارج؛ التاريخ والجذور والفكر التكفيري

مع بزوغ فجر التاريخ الإسلامي، وفي خضم تشكيل هوية المجتمع المسلم الوليد بعد رحيل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ظهرت جماعة تركت بصمة عميقة ومدمرة على مسار الأمة الإسلامية. هذه الجماعة، المعروفة باسم “الخوارج”، استمدت اسمها من “الخروج” على الحاكم آنذاك، وكانوا أول من أسسوا مبدأ تكفير المسلمين وبرّروا العنف باسم الدين.

تعود بداية ظهور الخوارج إلى حرب صفين، حيث انفصلت مجموعة من جيش الإمام علي، كرم الله وجهه، اعتراضاً على قبول التحكيم من جيش معاوية، ورددوا شعار “لا حكم إلا لله”. هذا الشعار، الذي بدا مقدساً في ظاهره، كان في باطنه دليلاً على نوع من التطرف الفكري وإنكار أي اعتبار للمصلحة في إدارة الحكم.

بفهم سطحي، ظاهري وجاف للنصوص الدينية، اعتبر الخوارج أنفسهم المسلمين الحقيقيين الوحيدين، وحكموا بالكفر والموت على كل من خالف عقائدهم. لقد كفّروا حتى الإمام علي، كرم الله وجهه، رابع الخلفاء المسلمين، وأحد كبار الصحابة والمبجلين لدى جميع المذاهب الإسلامية، وفي النهاية اغتيل على يد أحد أفراد هذه الجماعة.

تعتبر هذه الحادثة نقطة تحول في التاريخ الإسلامي، وتوضح كيف يمكن لتفسير متطرف للدين أن يتحول إلى تهديد خطير لوحدة ووجود الأمة الإسلامية. يمكن تلخيص السمات الفكرية للخوارج في عدة محاور رئيسية:

١. كانوا يعتقدون أن كل مسلم يرتكب كبيرة يعتبر كافراً. هذا الرأي، الذي يتعارض مع التعاليم الإسلامية الأصيلة، مهد الطريق لأوسع حملات التكفير بين المسلمين.

٢. لم يعترف الخوارج بشرعية أي حكومة لا تدير شؤونها وفقاً لأحكام الله في نظرهم؛ حتى لو كانت حكومة الإمام علي، كرم الله وجهه. هذا الموقف أدى إلى نوع من الفوضى الدينية، حيث اعتبر كل فصيل صغير نفسه محقاً في الثورة.

٣. كانوا يلجأون إلى أشد أعمال العنف لتحقيق أهدافهم؛ لم يسلم من سيفهم الأعداء فحسب، بل الناس العاديون والنساء والأطفال أيضاً.

ولعل أبرز ما يثير التأمل هو أوجه التشابه العميقة بين الخوارج الأوائل والجماعات التكفيرية المعاصرة، وفي مقدمتها داعش. فكلتا المجموعتين تتسم بسطحية الفهم وجفافه للنصوص الدينية، وتدّعي تمثيل الإسلام الحق بينما تكفّر الآخرين. كما أن كلاهما يبيح العنف، بل يقدّسه، كأداة لتحقيق أهدافه، ويشكلان معاً ضرراً بالغاً على جسد الأمة الإسلامية.

إن دراسة تاريخ الخوارج ليست مجرد استعراض للماضي، بل هي درس حيّ يعلمنا أن الإرهاب قد اتخذ أشكالاً مختلفة عبر التاريخ، وأن داعش والجماعات المماثلة اليوم هم الورثة الفكريون لهذا الإرث المشؤوم. ففهم هذا التاريخ يمنحنا الأدوات اللازمة لإدراك الجذور الفكرية لأعمال العنف المعاصرة، ويؤكد أن مواجهة هذه الظاهرة لا تكتمل بالمواجهة العسكرية فحسب، بل تتطلب حتماً صراعاً فكرياً وأيديولوجياً عميقاً لتحدي الأسس الاعتقادية لهذه التيارات وتقويضها من الداخل.

Exit mobile version