بطل الجهادين والشوكة في عيون الخوارج  

وليد ويار

#image_title

كان الأربعاء من الأسبوع الماضي، رافقه حزن عميق؛  تكررت قصة الزهرة العطرة التي تعرضت للريح الجبانة بعاصفة خوارج السوداء في حديقة النضال والصبر والإخلاص، وامتلأت ملايين العيون بالدموع، وسمعت صرخات وآهات، فقد طارت شخصية أفغانية إلى الدر الخالدة، شخصية لم يستسلم للظالمين قط، شخصية عاش شامخا كريما،  سار على خطى عائلته وشرب كأس الاستشهاد المجيد في شيخوخته.

 

نعم  أذكركم بالشهيد الحاج خليل الرحمن حقاني وزير المهاجرين والعائدين في الإمارة الإسلامية، شخصية شعبية معتدل ومصلح،  وكان قدوة حسنة في قضية عودة المهاجرين الأفغان، خاصة من باكستان، فقد أظهر سلوكه الجيد وتعاطفه،  وعامل الآلاف من المهاجرين بكرامة واحترام في المناطق والمخيمات المخصصة لهم.

 

تعرفت على اسمه لأول مرة  من خلال مجلة “منبع الجهاد”، فقد كان هذا المنشور القياسي الذي كان يُنشر بانتظام في ذلك الوقت، بمثابة السرد السياسي والثقافي لجهاد الأفغان، وخاصة مجاهدي عائلة حقاني، ضد الغزاة السوفيات.

 

كان ينشر في بعض أعداد هذه المجلة مقالات عن الشهيد حقاني وصور بريئة له في معاقل الجهاد بالمعدات الثقيلة والأسلحة، ومن حضوره في الاجتماعات والمفاوضات؛ وهكذا سجل في ذهني كمناضل لا يقهر ومحب للحرية من أمة عظيمة.

 

بعد تولّي الإمارة الإسلامية الحكم للمرّة الثانية، كان الشهيد حقاني من أبرز الشخصيات التي لفتت انتباه الناس إعلاميا، ولقد كانت صورة لرواية والده الراحل وشخصيته، وكان ينتقل من مكتب إلى مكتب حاملاً بندقيته وحقيبته ويوصل رسائل العفو التي أعلنها زعيم الإمارة الإسلامية إلى المسؤولين السياسيين والمؤسسات السابقة، وهو في الواقع كان رمزا للتفكير السلمي وإرادة الخير للجميع.

لقد استعاد قلوب العديد من الأفغان من خلال الرجوع إلى الأقليات القومية المختلفة ومتابعة قضايا النازحين ومساعدتهم بكل ما نستطيع.

 

وأذكر جيداً أنه لما أقيم هذا العام حفل عيد الاستقلال في قاعة التلفزيون الوطني، كان الشهيد حقاني أحد المحاضرين، وألقى كلمات لطيفة تتفق مع طبيعة الشعب، ومن المثير للاهتمام أن مجموعة من الأطفال غنوا نشيدا وطنيا جميلا، وفي النهاية نهض الشهيد حقاني، وقدم جوائز نقدية لنحو عشرة أطفال، ولكن عندما نفد المال، التفت إلى الجمهور وأخبر القادة الجالسين في الصف الأمامي بأن الفلوس لم تكن كافية لجميع الأطفال، واستعار منهم بعض الفلوس.

 

من السمات البارزة الأخرى لشخصية الشهيد حقاني معرفته بالشعب وثقافتهم، ومع عودة الإمارة الإسلامية، بذل جهودًا كبيرة للتوحيد بين المجموعات القومية المختلفة وحل النزاعات القانونية وقضايا الأراضي التي لم يتم حلها بين الناس نتيجة سنوات من الصراعات والمشكلات، فاستطاع من خلال علمه واستدلاله المنطقي والشعبي أن يوصل الطرفين إلى السّلام والوفاق وأن تسود أجواء الأخوّة.

 

ربما كانت الخوارج خائفين من شخصية الشهيد حقاني الرائعة والنضالية والتاريخية، الذي كان يعمل يوما بعد يوم على ترسيخ الوحدة الوطنية والنظام الإسلامي الحقيقي وإيقاظ الشعب، ولم يستطيعوا التسامح معه، لذلك قاموا أخيرا باغتياله بعملهم الجبان للغاية في المسجد والمنبر ذلك المكان الذي كان يحضره للذكر والدعاء إلى الله، وذلك المكان الذي فصلت الخوارج أنفسهم فيه عن الإسلام والمسلمين تماما وأظهروا وجههم الحقيقي.

 

إنّ الحضور الكبير للشعب الأفغاني في حفل تشييع  جثمان الشهيد وعزائه والتعاطف الدولي مع وفاته يدل على أن جميع قادة الإمارة الإسلامية لديهم جذور عميقة بين الناس، وهم ينحدرون من الشعب نفسه، وهم على استعداد لتقديم أي نوع من التضحيات في سبيل دينهم ووطنهم وشعبهم، وحب الشهادة هو تراث ثابت وثمين بالنسبة لهم، ولكن على العكس من ذلك، فإن الخوارج بمثل هذه التصرفات القبيحة يغرقون أنفسهم تدريجيّا في بئر حقد الناس وبغضهم، ولن يحققوا أبدا أهدافهم الكاذبة.

ابو صارم
Exit mobile version