باكستان؛ مكافحة حقيقية لداعش أم تجارة استراتيجية؟

عبدان صافي

قبل أيام قليلة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطابه أمام الكونغرس أن باكستان ألقت القبض على محمد شريف الله، المشتبه في كونه العقل المدبر للهجوم على مطار كابول، والذي يُعرف بلقب “جعفر”، ثم سلّمته إلى الولايات المتحدة. بعد هذا الإعلان، اشتعلت من جديد النقاشات على المستوى العالمي حول دور باكستان، لكن السؤال الجوهري هو: هل هذا الاعتقال يُعدّ بالفعل انتصارًا كبيرًا ضد الإرهاب، أم أنه مجرد خدعة سياسية تسعى من خلالها باكستان إلى تحقيق مكاسب دبلوماسية؟

هذه ليست المرة الأولى التي تخدع فيها باكستان القيادة الأمريكية، بل سبق لها أن ضلّلت المسؤولين الأمريكيين مرارًا، إذ ضخّمت إنجازاتها وقدّمت صورة مبالغ فيها عن دورها. فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، سلّمت باكستان مئات المجاهدين إلى الولايات المتحدة، وحصلت على مليارات الدولارات من المساعدات، لكنها في الوقت ذاته باعت عشرات الأشخاص إلى أمريكا تحت ذريعة أنهم “مجاهدون”، بينما لم يكن لهم أي علاقة بتلك الجماعات. وقد أقرّ الرئيس الباكستاني الأسبق، الجنرال برويز مشرف، في مذكراته بأن باكستان تلقت مقابل كل فرد مبلغ خمسة آلاف دولار، مما يُثبت أنها كانت تخدع الولايات المتحدة.

واليوم، مرة أخرى، تُقدّم باكستان لترامب “إرهابيًا” تزعم أنه يمثل انتصارًا دبلوماسيًا وسياسيًا كبيرًا، لكن الحقيقة هي أن الأمر لا يعدو كونه مجرد جزء صغير من لعبة سياسية أوسع.

نشاط داعش خراسان في باكستان

السؤال الأهم ليس اعتقال محمد شريف الله، بل كيف تتمكن جماعة داعش – فرع خراسان – من العمل بحرية في باكستان؟

من الحقائق التي لا يمكن إنكارها أن باكستان تستخدم فرع داعش خراسان كأداة لتنفيذ أجنداتها في أفغانستان، وهناك العديد من الأدلة التي تؤكد ذلك.

فعندما استلمت الإمارة الإسلامية الحكم في أفغانستان، شنت عمليات قاسية ضد داعش، وتمكنت من تصفية عدد كبير من قادتها البارزين. ونتيجة لذلك، فرّ بقية عناصر داعش إلى باكستان، حيث وجدوا ملاذًا آمنًا لتنظيم صفوفهم والتخطيط لعملياتهم.

وفي الآونة الأخيرة، كان معظم الهجمات التي استهدفت أفغانستان والمنطقة – بما في ذلك الهجوم على بنك في قندهار، والتفجير في مسجد بغلان، والهجوم على بنك في قندوز، وتفجير حاجي الشهيد خليل، وهجوم كِرمان – جميعها قد نُفّذت بتوجيه من داخل بلوشستان، حيث تلقى منفذوها تدريباتهم هناك.

أجهزة الاستخبارات الباكستانية، التي تمتلك خبرة واسعة في العمل مع الجماعات المسلحة في كشمير ودول أخرى، تنظر الآن إلى داعش خراسان كأداة يمكن استغلالها لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في أفغانستان.

ولا تقتصر أنشطة هذه الجماعة على زعزعة استقرار أفغانستان، بل أصبحت وسيلة تستخدمها باكستان للضغط على الإمارة الإسلامية.

إذا كانت واشنطن جادّة حقًا في حربها ضد داعش، فعليها إدراك أن القضاء على فرع داعش خراسان يتطلب استهداف ملاذاته الآمنة، وليس مجرد القبض على أفراد يُمثلون قطعًا صغيرة في شبكة معقدة.

باكستان، التي تواجه حاليًا أزمات سياسية واقتصادية داخلية، كانت تبحث عن فرصة تُكسبها رضا الولايات المتحدة. وفي السنوات الماضية، سلّمت بعض الأفراد إلى أمريكا لتعزيز صورتها، لكنها في الوقت ذاته استمرت في دعم البُنى التحتية للجماعات الإرهابية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية.

اليوم، تُواصل باكستان نفس اللعبة القديمة، واعتقال محمد شريف الله ليس سوى امتداد لهذه السياسة؛ إذ إنها توفر الملاذ لهذه العناصر، وعندما تحتاج إلى تحقيق مكاسب دبلوماسية، تُقدّم بعضهم للولايات المتحدة على أنه “إنجاز كبير”.

الحرب الحقيقية ضد الجماعات الإرهابية مثل داعش لا يمكن أن تتحقق إلا عندما يتم استهداف الداعمين الرئيسيين لها، ومموليها، وملاذاتها الآمنة. وإذا استمرت الولايات المتحدة في تجاهل هذه الحقائق الميدانية، فلن تنتهي هذه الحرب أبدًا، وستواصل باكستان لعبتها التقليدية لتوسيع نفوذها.

Exit mobile version