الماديات وحدها لا تضمن النصر أبدًا!

أبو جاويد

#image_title

عندما خاض العرب المسلمون معاركهم مع الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية، اعتبر البعض ممن يتبعون الظاهر أن ذلك نوع من الجنون. بدا لهم انتصار الإسلام مجرد حلم بعيد المنال. لم يروا أبعد من الظلام الذي أحاط بهم، بينما كانت أنوار الإسلام تسعى لتحويل كل ظلمة إلى نور، وكل ظلم إلى عدالة ومساواة. رفعت راية العدل فوق عالمٍ كان يفرق بين العبد والسيد، وأسست مبدأ المساواة بين الجميع.

 

جيش الإسلام، الذي خرج من قلة الإمكانيات المادية، حمل إيمانًا راسخًا بنصر الله، وقف 18 ألف مقاتل في وجه 50 ألف كافر.

 

نهض هؤلاء المحاربون من صحارى العرب القاحلة وفتحوا أراضي العراق الخصبة. ومع ذلك، رفض البعض تصديق ما حدث، معتبرين تلك الفتوحات معجزة من القدر. كيف يمكن لأصحاب النظرة المادية أن يدركوا النصرة الإلهية بعين اليقين؟

 

هذا الجيش، القادم من الحجاز، لم يكن يعتمد على الماديات، بل على الإيمان بالنصر أو الشهادة. تحت قيادة خالد بن الوليد، قائدهم الملهم، كانت الثقة بالنصر تملأ النفوس، ولم يعرفوا معنى الهزيمة. عندما واجهوا تحالفًا بين الرومان والفرس، تمكن خالد، سيف الله المسلول، من تحطيم هذا التحالف. على ساحة فراض، امتلأت الأرض بجثث أعدائهم، واندحر جيشهم، بفضل النصر الإلهي.

 

بلغت معركة الإسلام والفرس ذروتها. كان جيش المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص لا يتجاوز 30 ألفًا، بينما جيش كسرى كان يفوق 120 ألفًا، مجهزًا بالأفيال وأحدث المعدات الحربية. على النقيض، كان المسلمون يحملون سيوفًا بسيطة، وبعضهم بلا دروع. لكنهم كانوا يملكون عزيمة جهادية لا تُقهر.

 

لم يخشوا قلة العدد ولا الإمكانيات، لأنهم وثقوا بنصر الله. طلبوا الشهادة بإخلاص ودعاء، واستمر القتال ثلاثة أيام متتالية. وفي اليوم الرابع، انهار عرش كسرى، وقتل قائده، وفر جيشه المنكسر. سجلت معركة القادسية نهاية عظَمة الفرس، ودفنت ألف سنة من الهيمنة الإيرانية تحت أقدام هؤلاء المسلمين البسطاء، الذين لم يكن لديهم سوى إيمانهم وشجاعتهم.

 

كانوا رموزًا للشرف الإنساني، يقاتلون بإيمانهم الذي ملأ قلوبهم بحب النصر أو الشهادة. أما عدوهم، فكان يقاتل فقط من أجل البقاء، يخشى الموت ويعتبره فشلًا محتومًا. غالبًا ما يُبطل التفكير المادي أية قيمة للنصر الروحي، ويغفل عن النصرة الإلهية. تاريخ الإسلام مليء بمثل هذه الأحداث، حيث ينتصر أصحاب الإيمان على من يتكئون على الماديات فقط.

 

ما بين الأمس واليوم قصة واحدة. إسرائيل اليوم تمثل رمزًا للمادية، لكنها واجهت في غزة رجالًا عزّلًا استطاعوا بشجاعتهم أن يُسقطوا كل الأوهام والأيدولوجيات الباطلة للماديين.

 

وكما حدث في الماضي، استهزأ دعاة الظاهر بأبطال غزة، ووصفوا مقاومتهم بالجنون. لكن هؤلاء، الغافلون عن نصر الله، سيصابون بالدهشة عندما تواجه إسرائيل هزيمة مذلة. نحن على يقين من ذلك المستقبل المشرق، وبعون الله سيكون قريبًا.

ابو صارم
Exit mobile version