العمق الاستراتيجي لباكستان تجاه أفغانستان

#image_title

بقلم: فاروقي افغان

 

بعد تأسيس باكستان، ظهرت نموذجان للحكومة في البلاد، إحداهما هي حكومة عسكرية واستخباراتية، والأخرى هي حكومة مدنية تتألف من البرلمان والمؤسسات المدنية الأخرى.

إن سياسة باكستان الخارجية تجاه أفغانستان عادةً ما تتم صياغتها من قبل خبراء استراتيجيين في القطاع العسكري.

 

يعد المصطلح “العمق الاستراتيجي” مصطلحًا عسكريًا يهدف في الأساس إلى الحفاظ على المناطق الاستراتيجية في الدولة، مثل المراكز العسكرية والمطارات والمدن الصناعية والمواقع التجارية، بعيدة عن قوة العدو خلال الحروب.

تم ابتكار مصطلح “العمق الاستراتيجي” في سياق أفغانستان للمرة الأولى من قبل رئيس أركان الجيش الباكستاني السابق، الجنرال أسلم بيغ. ووفقًا لمقولته، بعد هزيمة الاتحاد السوفياتي، أصبحت أفغانستان حرة، وحان الوقت لكي نكتسب عمقنا الاستراتيجي لحماية مصالحنا الوطنية.

 

في البداية، كانت هذه الاستراتيجية محصورة في المجال العسكري فقط، أما الآن، فقد توسعت أهدافها لتشمل أجزاء اقتصادية وسياسية أيضًا.

في هذه المقالة، سنلقي نظرة سريعة على جميع هذه الأجزاء:

 

الجزء العسكري:

 

تعد الهند منافسًا شرسًا لباكستان في المنطقة، حيث خاضت البلدين ثلاث حروب رئيسية منذ عام 1947، وخسرت باكستان جميعها أمام الهند. يقول الخبراء العسكريون إن السبب الرئيسي لفشل باكستان أمام الهند يعود إلى الموقع الجغرافي لباكستان، حيث لا توجد أي عوائق طبيعية تحول دون تقدم الهند. ويضيف الخبراء أن الهند قادرة على مهاجمة واستهداف جميع المواقع الاستراتيجية الباكستانية بسهولة، مثل المطارات والمدن الصناعية الكبرى مثل كراتشي ولاهور، ومن الممكن أن تسيطر الهند على باكستان في وقت قصير.

ومن أجل التغلب على هذا الخوف، وضعت باكستان خططًا لنقل أصولها الاستراتيجية وجيشها إلى مكان آمن بعيد عن نيران الهند. ولهذا الغرض، توجهت باكستان نحو أفغانستان، حيث يمكن نقل الأصول الاستراتيجية إذا كانت هناك حكومة تخضع لنفوذ باكستان، خاصة على طول الحدود الوهمية والمناطق المجاورة لها. يجب أن يتمركز جيش الدفاع الاستراتيجي الأفغاني (جزء من الجيش الوطني الأفغاني) تحت دعم باكستان، حتى يتسنى لهم القتال إلى جانب القوات الباكستانية في حال اندلعت حرب بين باكستان والهند.

 

كانت لدى باكستان فكرة مشابهة بشأن إيران، حيث تم نقل معظم الآليات الحربية الباكستانية إلى إيران خلال الحرب مع الهند في عام 1965. ومع ظهور ثورة الخميني في إيران، تحوّلت اهتمامات باكستان نحو أفغانستان. يقول أسد دوراني، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الباكستاني، إننا اضطررنا إلى اكتساب عمق استراتيجي في أفغانستان للتصدي للتفوق الجغرافي للهند. ولكي نحقق العمق الاستراتيجي، يجب أن يكون لأفغانستان نظام سياسي واقتصادي ضعيف.

 

الجزء السياسي:

 

تسعى باكستان إلى تحقيق السيطرة على نظام الحكم في أفغانستان، وأن تكون لها الكلمة الأولى في إدارة الشؤون السياسية والعسكرية للبلد. ولهذا الغرض، تحاول إقامة نظام جمهوري برلماني ضعيف، حتى تستطيع شراء أعضاء البرلمان وتوجيه قرارات أفغانستان لصالح باكستان.

صرح سفير باكستان لدى أفغانستان في الحكومة الجمهورية السابقة بأنه خلال الانتخابات الرئاسية في أفغانستان، جاء المرشحون إليهم عدة مرات وطلبوا مساعدة باكستان، مؤكدين أنه إذا ساعدتهم باكستان في الانتخابات، فإنهم سيحسنون العلاقات معها عند وصولهم إلى السلطة.

واستنادًا إلى هذه الاستراتيجية، ترغب باكستان في أن يكون لأفغانستان جيش واستخبارات ذات مظهر رمزي، ويكون لها عناصر من باكستان في قيادتهما. وقال رئيس الجيش الباكستاني ضياء الحق بكل صراحة: من حقنا أن نختار الحكومة في أفغانستان بسبب مساعدتنا للأمريكان ضد الاتحاد السوفيتي.

 

وعندما سأل أحد الصحفيين الجنرال ضياء الحق عن سبب مساعدتهم للمجاهدين، أجاب بصراحة:

 

بعد هزيمة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، ستشكل المجاهدون حكومة ودية لنا، ولا يمكنني أن أتحمل وجود حكومة مكونة من بقايا الاتحاد السوفيتي بجوارنا، والتي تحظى بشعبية وترغب في علاقات مع الهند، ویریدون ضم أراضي “بختونخوا” إلی أفغانستان (تاریخیا هذه المناطق کلها ترجع الی أفغانستان لکن الإنجليز قطعها بالقوة من أفغانستان وأعطتها إلی الهند آنذاك).

واستنادًا إلى هذه الاستراتيجية، ترغب باكستان في سلب أفغانستان حقها في اتخاذ القرارات الخارجية، وجعل السياسة الخارجية الأفغانية خاضعة لسيطرتها. وترغب في ضعف علاقات أفغانستان مع الهند أو قطعها تمامًا، وتدعم موقف باكستان في قضية كشمير.

 

وكتب وحيد مزده أنه عندما طلبت الولايات المتحدة التفاوض مع طالبان، فتحت طالبان مكتبًا في قطر لإجراء المفاوضات، وأبدت باكستان معارضة شديدة تجاهها لأنها أرادت أن تتم هذه المحادثات بتدخلها ومن خلالها فاعتقلت باكستان الملا عبد الغني برادر مبتكر ومبادر مكتب قطر للضغط على إمارة أفغانستان الإسلامية.

 

القسم الاقتصادي:

الجزء الثاني من العمق الاستراتيجي هو الجزء الإقتصادي، فباكستان لا تريد أن تنمو وتزدهر أفغانستان فتحقق الاكتفاء الذاتي الذي يساهم في تحقيق الاستقلال الاقتصادي بل تريد أفغانستانا ألا تكون لها منتجات محلية وتلبي متطلباتها لا داخليا بل بالاعتماد على الصادرات, فذلك يمهد الطريق لباكستان لتنقل المواد الخام من هنا إلى باكستان وتعالجها هناك ثم لتبيعها مرة أخرى من أفغانستان بأسعار مضاغفة.

تخطط باكستان أن تظل أفغانستان أكبر سوق لصادراتها ومنتجاتها وأن لا تقوم أفغانستان ببناء مصانعها. القسم الاقتصادي من سياسة العمق الاستراتيجي خطير للغاية، تريد باكستان من خلالها أن تظل أفغانستان دولة تابعة لها.

كما تريد لأفغانستان أن تبقى لا تمتلك خبراء ومتخصصين وآلات لاستخراج المعادن بل تسعى لتساهم شركاتها ومهندسيها في استخراج كل معادنها ثم ليتم بيعها في السوق العالمية باسم باكستان. ووفقا لهذه السياسة الهمجية لن يعيد إعمار البنى التحتية الاقتصادية في أفغانستان ولا تبنى فيها سدود ميائية. وإن يتم إنشاءها فينبغى أن تكون فى أماكن لا تلحق الخسائر بباكستان. ويتم نقل البضائع التجارية الباكستانية عبر أفغانستان إلى آسيا الوسطى دون دفع رسوم جمركية.

 

إن لم يتم تنفيذ البنود الثلاثة من العمق الاستراتيجي فماذا ستفعل باكستان؟

وتدرك باكستان أنه إذا ظلت أفغانستان تحظى بنظام مركزي قوي ومستقل ومزدهر اقتصاديا، حينها تموت البقرة وينقطع الحليب ويزداد الخطر من الهند ومن الممكن فتح ملف قضية خط ديورند الافتراضي من جديد المثير للجدل وهي تكفي لإشعال فتيل أزمة جديدة, ولإزالة هذه المخاوف فإنهم يخططون لإبقاء أفغانستان في الحرب طويلة الأمد.

إن إبقاء أفغانستان في الحرب هو الجزء الأخير والأخطر من العمق الاستراتيجي، كيف وبأي طريقة سيبقون أفغانستان في الحرب، نورد له مثالا واحدا في السطور التالية:

سمعتُ نصيرالله بابر وزير الداخلية الباكستاني الأسبق يقول في مقابلة متلفزة: انطلقت الثورة الأفغانية من احتجاجات شعبية وطلابية في كابول بقيادة أحمد شاه مسعود وقلب الدين حكمتيار وبرهان الدين رباني للإطاحة بحكم سردار داود عام 1973 ثم لجأ هؤلاء إلى باكستان، آنذاك دعانى ذو الفقار علي بوتو وكان رئيس الوزراء وقتها فقال لي إنه بعد 20 عام يعنى في عام 1993، تنتهي فترة اتفاق ديورند وسيطالب الأفغان بأرضهم بالتأكيد فليس هناك سبيل غير زعزعة أمن أفغانستان، فقال لى أدع هؤلاء اللاجئين الأفغان، وظفهم لأغراضكم، اتصلتُ بهؤلاء القادة الثلاثة والشباب والتقيت بهم في بلاحصار في مدينة بيشاور، فاستجاب القادة وأعربوا عن استعدادهم لمواصلة النضال السياسي ضد سردار داود وطلب الشباب منا الدعم لمواصلة المقاومة المسلحة.

أنا رفعت هذه القضية إلى السيد بوتو فعرضها بوتو على قيادة القوات الخاصة (SSG) فأقامت القوات الخاصة دورات تدريبية لهؤلاء الشباب وبعد التخرج زودتهم بأكثر من 300 بندقية إضافة إلى المعونة النقدية ثم وجهوهم نحو أفغانستان وبدأوا القتال هناك.

ثم قال وبهذا ألقينا بأفغانستان في النيران وأشعلنا فتيلة أزمة جديدة وفيها احترق الاتحاد السوفياتي وجعلت أفغانستان في حالة سيئة للغاية ولن ترفع رأسها أبداً للمطالبة بأرضها.

وهذه هي الخدمة التي قدمتها لبلدي باكستان !!

 

لقد نهبت باكستان الثروات المادية والروحية لأفغانستان، وألحقت أضرارا جسيمة بالاقتصاد الأفغاني، ودمرت البنى التحتية لأفغانستان، وحاولت تنفيذ جميع أجزاء هذه السياسة ولكن بفضل الله أولا ثم بفضل إمارة أفغانستان الإسلامية خيب الله آمالهم، وخسرت باكستان أحلامهم وتمكنت الإمارة الإسلامية لتكون صدا منيعا حيال تنفيذ سياسة العمق الاستراتيجي كما شمرت عن سواعد الجد لإعادة بناء أفغانستان.

 

وهذا الأمر أثار قلق باكستان، وعلى الفور ظلت تضع عراقيل جديدة وتصنع مؤامرات تجاه هذه الحكومة الفتية الوليدة بيد التي باءت بالفشل, فهي نشّطت كل أجهزتها وعكفت تبث الدعاية ضد إمارة أفغانستان الإسلامية فى المؤتمرات الدولية، إضافة إلى دعم وتمويل جماعة داعش الخوارج وجبهة البغاة بقيادة أحمد مسعود، وما فتحت من جبهات جديدة ضد إمارة أفغانستان الإسلامية هي أدهى وأخطر.

ابو صارم
Exit mobile version