هاجرت عائلته من بطش الاحتلال الصهيوني الاستبدادي، واستقروا في منطقة خان يونس بغزة على أمل أن يعودوا يوماً إلى قريتهم وديارهم. وفي صعوبة الهجرة، ولد طفل، يشبه الحديد في صلابته، تربى على يد أم مهاجرة غذته بلبنها الحلال وحرصت على ربطه بمقدسات الوطن وحرية البلاد. نشأ على حب الإسلام والعروبة وكان شجاعاً و حساساً منذ صغره. التحق بمدرسة في بيئة إسلامية، ودرس الأدب العربي وتخرج منه، وكان يستلهم من المرحوم الشيخ أحمد ياسين، رمز الإيمان والعزة، متعلماً منه دروساً في الروح الإسلامية والاستقلال.
ما أن تخرج حتى جعل همه الأول تحرير المسجد الأقصى وإعادة هيبته، ولم تقف الصعوبات أو التهديدات في طريقه عانى من ظلام السجون وقيود الأغلال، وصمد على مدى نحو عقدين خلف القضبان حتى ازداد عزمه وإصراره، وتضاعفت
رغبته في الانتقام من العدو. كان مقاتلاً قوياً في ساحة المعارك، فدرب آلاف المجاهدين على الولاء والتضحية، ووفر لهم العتاد العسكري رغم قلة الإمكانيات، بل وأسس مصانع ابتكارية بأدوات بسيطة. حول هذا الشريط الساحلي الضيق في غزة إلى شوكة في حلق الصهيونية، بإنشاء شبكة من الأنفاق والمتاريس
فباتت قطعة الأرض الصغيرة حصناً منيعاً.
بلغ الستين عاماً في ميادين القتال، وما زال جسده وفياً لعزيمته الحديدية، يقاتل كالشاب اليقظ ظن العدو أن سكونه يعني استسلامه، لكنه كان في حالة استعداد؛ يجهز العدة والعدد، ويقوي
جذور المقاومة في أرض العدو.
وفي يوم 7 أكتوبر، تجلى هذا الاستعداد، إذ كسر قيود الحصار، وأسقط أسوار العدو، وأسر عدداً كبيراً من الجنود لتحرير إخوانه الأسرى. أثار
انتصاره غضب الاستكبار العالمي، مما دفع القوى الغربية إلى قصف المدنيين في غزة، متوهمين أنهم سيقضون على المقاومة في وقت وجيز، لكن المقاومة ظلت صامدة، ومر عام كامل وما زالت تتحدى العدو.
كان هدف العدو الأهم القضاء على هذا القائد الفذ، فاستخدم كل تكنولوجياته الاستخباراتية في سبيل ذلك. اعتقدوا أنه مختبئ أو محمي في أنفاق، لكنه ظل يقاتل في ميدان المعركة. وفي نهاية المطاف، أثناء مواجهة مباشرة مع العدو أصيب، وربط جرحه بنفسه، وعندما اقتربت منه كاميرا الدرون ضربها بعصاه، فتحول إلى هدف
لنيران العدو واستشهد.
هذا الجندي الحديدي صاحب العزيمة الفولاذية غادر الدنيا مرفوع الرأس، وترك خلفه جيلاً مؤمناً بالدفاع عن أسس الإسلام حتى يوم القيامة بإذن الله.
وبعد استشهاده بيومين اكتشف العدو وفاته واحتفل بها، معترفين بعزمه الحديدي وبسالته. لقد خط الشهيد أبو إبراهيم يحيى السنوار اسمه بمداد الذهب في صفحات التاريخ الإسلامي الحديث، ورسم بدمائه مسيرة الأبطال العظام. رحم الله الشهيد، وأعلى مقامه في الفردوس وأثابه عن أمة الإسلام خير الثواب.