الدعاية النفسية لدى داعش! الجزء الأول

حمزة الخراساني

وحشٌ إعلاميّ وتكتيكات الحرب النفسية

لم تكن داعش/الخوارج جماعةً متطرّفةً عادية، بل كانت آلةً دعائيةً متطورةً حوّلت العنف إلى فنّ، إذ جمعت بين أسوأ ممارسات العصور الوسطى وأحدث تقنيات الإعلام في القرن الحادي والعشرين، فحوّلت الإرهاب إلى منتَج تجاري مُغرٍ يجذب الأنظار. وقدّمت هذه الجماعة للعالم دروسًا مُخيفة في كيفية إساءة استخدام الإعلام كسلاح في الحرب النفسية، مستغلّةً تغليف أفعالها الوحشية والدموية بغطاء الإسلام لتشويه صورته وتقديمه كما تشاء هي.

فيما يلي أبرز تكتيكات هذه الجماعة الخارجة عن الإسلام في حربها النفسية:

١- إنتاج موادّ هوليوودية برسائل جهنمية:

استعان خوارج داعش بصنّاع أفلام محترفين لإنتاج مقاطع فيديو تنافس في جودتها أفضل إنتاجات هوليوود؛ كاميرات احترافية، إضاءة مدروسة، مونتاج ديناميكي، موسيقى حماسية ونصوص بليغة، كلّها كانت في خدمة استعراض الرعب. كانوا يدركون أن الصورة عالية الجودة تزيد من ترسيخ العنف في الأذهان، فجنّدوا وسائل الإعلام وشبكات التواصل لنشر أعمالهم المرعبة في قالبٍ بصري جذّاب وفي الوقت نفسه مُرعب.

٢- صناعة الرموز والأساطير:

عمدت داعش إلى خلق نماذج ذهنية جذّابة للشباب التائه من خلال صناعة شخصيات كاريزمية مثل «الجهاديين الأجانب» و«الشهداء»، إدراكًا منها لحاجة الإنسان المعاصر إلى البطل والأسطورة.

٣- اللعب على التناقضات:

في مشهدٍ يظهر مقاتل داعشي بملامح هادئة وهو يداعب قطةً صغيرة، وفي مشهدٍ آخر يُقدِم الشخص نفسه على ذبح أسير! هذا التناقض المتعمّد كان يولّد الرعب ويُثير فضول الناس في آنٍ معًا، وهو تحكّمٌ خبيثٌ بالتناقض لإيصال رسالة تحذير ولجذب الانتباه.

٤- استغلال الإعلام الغربي:

كان الدواعش يدركون أنّ القنوات العالمية بحاجةٍ إلى محتوى صادمٍ لجذب المشاهدين، لذا كانوا ينفّذون عملياتهم الوحشية بقدرٍ محسوب؛ صادمة بما يكفي لتصبح مادةً جذّابة لـCNN وBBC، ولكن دون مبالغةٍ قد تؤدي إلى تبلّد الجمهور. هؤلاء الشياطين عبثوا بحياة الأبرياء ولعبوا بالإسلام والإنسانية، لكن لحسن الحظ لم تدم أركانهم طويلًا حتى انهارت هيبتهم.

٥- خلق شعور الانتماء الزائف:

باستخدام هاشتاغات جذّابة وحملات رقمية مُنسّقة، أدخلوا أتباعهم في «مجتمعٍ وهمي»؛ فأولئك الشباب الأوروبيون الذين كانوا يشعرون بالحرمان وجدوا فجأةً أنفسهم جزءًا من «الخلافة العظمى»، وهكذا استقطبوا المغرَّر بهم بأساليب الخداع والفِتن.

٦- اللعب على عامل الزمان والمكان:

كانوا يختارون توقيت نشر مقاطع القتل وسفك الدماء بدقة خلال ساعات الذروة عالميًا، ليبلغ تأثير رسائلهم أقصى حدٍّ ممكن. كانوا يدركون أنّ «الإرهاب الإعلامي» يحتاج إلى توقيتٍ أدقّ من الرصاصة، فعمّموا رسائلهم للعالم وهدّدوا الجميع بالذبح.

٧- تخصيص الخوف:

أرسلوا رسائل تهديد شخصية للصحفيين والسياسيين ليزرعوا شعورًا بأنّ لا أحد في مأمنٍ من بطشهم، فحوّلوا الخوف من مفهومٍ ذهنيٍّ إلى تهديدٍ ملموس.

٨- استغلال الرموز الدينية:

كانوا يستهلّون مقاطع الإعدام بتلاوة آياتٍ قرآنية ليربطوا زورًا بين الإسلام والعنف، مدّعين أنّ القرآن يأمرهم بذلك. بينما الحقيقة أنّ هذه الأفعال لا تمتّ للإسلام بصلة، بل أساءوا للإسلام وألصقوا به جرائمهم البشعة زورًا.

٩- صناعة وهم القوّة:

بعرض صفوف المقاتلين المنظّمة والأسلحة الثقيلة، أوحوا بأنّهم جيشٌ لا يُقهَر، بينما كانت تلك العروض مبالغًا فيها ومصمّمة فقط لجذب الأنظار. ولم تمضِ فترةٌ طويلة حتى انكشفت حقيقتهم وظهر ضعفهم.

١٠- اللعب بلغة الجسد:

في مقاطع الإعدام، كان القاتل يبدو دائمًا هادئًا واثقًا، بينما يظهر الضحية مرتعدًا خائفًا، ليُرسِلوا رسالةً واضحة: «نحن أقوياء وأنتم ضعفاء».

وباختصار، بهذه التكتيكات نجحت داعش في ذروة نشاطها في نشر ما يقارب ٩٠ ألف تغريدة يوميًا واستقطاب ملايين الدولارات عبر الدعاية الرقمية. لكن انتصارهم الإعلامي لم يدم طويلًا؛ إذ إنّ عنفهم المفرط أصبح لا يُحتمل حتى لأشدّ أتباعهم حماسةً. واليوم يُثبت إرثهم الإعلامي أنّ في عصر الرقمنة تغيّرت أدوات الحرب: فالكاميرا قد تكون أخطر من المدفع، وهاشتاغ واحد قد يكون أفتك من رشاش!

Exit mobile version