الخطة الجديدة لدونالد ترامب بشأن فلسطين!

مولوي عبد الصمد شاكر

قدّم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطة جديدة بشأن فلسطين، وهي خطة تهدف إلى توجيه مسار القضية نحو اتجاه جديد، وتستدعي من قادة ومفكري العالم الإسلامي وقفة جادة وتأملًا عميقًا. في رأيي، إنّ النزاع القديم بين اليهود والنصارى حول بيت المقدس قد اكتسب اليوم لونًا جديدًا.

الطرف المسيحي، الذي كان يؤدي دوره سابقًا من وراء الكواليس ويدعم اليهود في الصراع القائم منذ قرنٍ بين المسلمين واليهود لتأمين مبررات تدخله، قد خرج اليوم إلى العلن. فهم يريدون أن تكون زمام المبادرة بأيديهم بالكامل، وقد تصدّر دونالد ترامب وتوني بلير هذا المشروع، بينما يظهر أن أغلب حكام الدول الإسلامية ينسجمون معهم. وبهذه الصورة يتم التأسيس لغلبةٍ مسيحيةٍ على حساب المسلمين واليهود في قضية بيت المقدس، ولهذا يجب النظر إلى المسألة من هذه الزاوية.

ولا يُتوقّع من الجيل الحالي من قادة العالم العربي أن يتخذوا موقفًا واضحًا، ولكن المفكرين الإسلاميين، ومراكز العلم والدين، عليهم أن يعيدوا دراسة الأوضاع الممتدة لأكثر من ألفين وخمسمائة عام، ويحدّدوا موقفهم بجلاء. وسنحاول – بإذن الله – أن نقدم لاحقًا تحليلات مفصلة في هذا الشأن.
وفي هذه المرحلة نعرض خلاصة بعض التحليلات المهمة التي نُشرت في وسائل الإعلام العالمية في أكتوبر 2000م، وكذلك بعض المعلومات النادرة حول العرض المشروط الذي قدّمته المملكة العربية السعودية عام 2002م للاعتراف الرسمي بدولة إسرائيل.

1. تاريخ المسجد الأقصى

تاريخ بيت المقدس قديم جدًا، وقد كان جزءًا من رحلة الإسراء والمعراج للنبي ﷺ. وبعد الهجرة إلى المدينة بقيت قبلة المسلمين نحوه نحو سبعة عشر شهرًا، ولهذا سُمّي بـ«القبلة الأولى». أما تاريخ بناء مسجد الصخرة فيعود إلى عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.

تذكر الروايات أن النبي ﷺ عُرج به إلى السماء من موقع الصخرة ليلة المعراج، ولهذا أمر الخليفة عبد الملك ببناء مسجدٍ تخليدًا لهذه الذكرى.
استُفيد في هذا البحث من كتابين معتبرين:

“تاريخ القدس” للعارف باشا العارف، وهو من أوثق المراجع في تاريخ المسجد الأقصى.

“المسجد في الإسلام” للشيخ طه الولي، الذي عرض فيه الأحداث التاريخية المتعلقة بالمسجد بترتيبها الزمني.
بدأ بناء المسجد سنة 74هـ بأمر عبد الملك، وأُكمل سنة 86هـ في عهد ولده الوليد بن عبد الملك، وقد أنفق عليه خراج مصر لسبع سنوات، وكان المسؤولان عن البناء رجاء بن حيَوة الكندي ويزيد بن سلام.
ولما انتهى البناء تبقى من الميزانية مئة ألف دينار، فأراد الخليفة أن يمنحها للمسؤولين مكافأةً، لكنهما رفضا قائلين إن من حقهما أن يبيعَا حليّ نسائهما وينفقاها في المسجد، فقام الخليفة بصهر المئة ألف دينار وزيّن بها أبواب المسجد بالذهب.

وفي سنة 130هـ وقعت زلزلة عظيمة خرّبت مدنًا كثيرة، فأزال الخليفة أبو جعفر أغطية الذهب عن الأبواب وحولها إلى دنانير وزعها على الناس. وفي سنة 163هـ غيّر الخليفة المهدي حدود المسجد فزاد في طوله ونقص من عرضه. ثم في سنة 426هـ جدد الخليفة الظاهر المسجد وبنى له قبة جديدة ما زالت قائمة إلى اليوم، وأنشأ سبعة أبواب من الجهة الشمالية.

وفي سنة 492هـ استولى الصليبيون على بيت المقدس، وحولوا مسجد الصخرة إلى كنيسة، وجعلوا قسمًا منه اصطبلًا للخيول وآخر مخزنًا، حتى إنهم كانوا يقطعون أجزاء من القبة ويبيعونها كقطعٍ ذهبية.
ظلّ بيت المقدس تحت سيطرتهم حتى سنة 583هـ، حين حرّره السلطان صلاح الدين الأيوبي، فطهّره من آثار الصليبيين ورمم المسجد، ونقل إليه المنبر الذي كان مخصصًا لجامع حلب. وفي سنة 595هـ غُسّل المسجد لأول مرة بماء الورد.

وفي العصور اللاحقة توالت أعمال الترميم والتوسعة على أيدي الملوك المماليك والعثمانيين حتى سنة 1341هـ، حيث بقي المسجد والمدينة تحت حكم الدولة العثمانية.
وفي سنة 1922م أشرف مفتي فلسطين الأكبر الحاج أمين الحسيني على ترميمه بمعاونة المهندس التركي كمال الدين بك، وشارك في التكاليف عدد من الدول العربية.
أما في العصر الحديث، فقد تعرّض المسجد للعديد من الاعتداءات، أبرزها تفجيرات 1945 و1967 واحتراقه المروّع سنة 1969م الذي دمّر منبره الشهير.

2. قضية فلسطين

الخلفية التاريخية والموقف الإسلامي الأصيل

في عام 2000م، قدّم ولي العهد السعودي الأمير عبد الله مبادرة تقضي بأن تعترف السعودية بإسرائيل إذا انسحبت من الأراضي العربية المحتلة.
اعتُبرت المبادرة آنذاك خطوة كبيرة في السياسة العربية تجاه إسرائيل، إذ إنها تفتح الباب أمام باقي الدول الإسلامية للاعتراف بها دولةً شرعية. وقد رحّب بها الرئيس الأمريكي بوش وإسرائيل نفسها ممثلة برئيسها موشيه كتساف، الذي أرسل دعوة للأمير عبد الله لزيارة القدس أو استقبال الرئيس الإسرائيلي في الرياض لمناقشة المبادرة.

أما من الناحية التاريخية، فقد بدأت فتوحات فلسطين في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين أرسل عمرو بن العاص جيشًا إلى غزة، ثم فتح بيت المقدس سنة 17هـ، وبعد ذلك استمرت الفتوحات حتى شملت كل أرجاء فلسطين.

ثم احتل الصليبيون القدس، إلى أن حرّرها صلاح الدين الأيوبي بعد ثمانين عامًا من الاحتلال، وظلت بعده ضمن بلاد المسلمين حتى أصبحت جزءًا من الدولة العثمانية سنة 1517م، وظلت كذلك أربعة قرون.

وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني رفض عرض اليهود بإسقاط ديون الدولة العثمانية مقابل السماح لهم بالاستيطان في فلسطين، فكانت تلك بداية الصدام بين اليهود والخلافة.
وبعد الحرب العالمية الأولى وسقوط الخلافة العثمانية، أعلنت بريطانيا انتدابها على فلسطين، وأصدرت وعد بلفور سنة 1917م الذي اعترف بفلسطين وطنًا قوميًا لليهود.
بدأت بريطانيا تسهّل هجرة اليهود وتوطينهم هناك، وبدأت المنظمات الصهيونية بشراء الأراضي من الفلسطينيين مستغلةً الفقر والحاجة.

وفي سنة 1948م أنهت بريطانيا انتدابها، فقُسّمت فلسطين بقرار من الأمم المتحدة إلى دولتين: عربية ويهودية، فاعترفت أمريكا والدول الغربية بإسرائيل فورًا، بينما رفض العرب القرار واندلعت الحرب الأولى، ثم توالت الحروب في 1967م و1973م، وظلّ الاحتلال الإسرائيلي جاثمًا على القدس وأراضٍ عربية واسعة.

وكانت المواقف الدولية ثلاث:

1. الموقف الإسرائيلي المدعوم من أمريكا: يرى أن الأراضي المحتلة – بما فيها القدس – جزء من إسرائيل، وأنها عاصمتها الأبدية.
2. موقف الأمم المتحدة: يدعو إلى تطبيق قرارات التقسيم والانسحاب من الأراضي المحتلة سنة 1967م، وهو موقف تتبناه دولٌ إسلامية عديدة كتركيا ومصر والأردن.
3. الموقف الإسلامي الأصيل: الذي تتبناه دول مثل أفغانستان والسعودية وإيران، وهو أن قيام إسرائيل في الأساس غير شرعي لأنها قامت على اغتصاب أرضٍ عربية إسلامية، وأن الحل يجب أن يعود إلى وضع فلسطين قبل عام 1917م حين كانت دولةً عربيةً موحدة.

وقد عبّر مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز آل سعود عن هذا الموقف في رسالة إلى الرئيس الأمريكي ترومان سنة 1948م، قال فيها: “إن حرب فلسطين ليست حربًا قديمة كما تتصورون، بل هي صراع بين أصحاب الحق العرب وبين المعتدين الصهاينة الذين اغتصبوا أرضًا ليست لهم بمعونة دولٍ تدّعي السلام. وقرار تقسيم فلسطين قرارٌ ظالم وغير عادل رفضته كل الدول التي تنصر الحق، وليس العرب هم المسؤولين عن هذه الحرب.”

هذه الرسالة مؤرخة في 10 ربيع الثاني 1367هـ الموافق لفبراير 1948م.
ومن خلال مقارنة هذا الموقف الأصيل بمبادرة الأمير عبد الله في 2000م، والموقف الحالي لولي العهد محمد بن سلمان، يتضح أن السعودية تراجعت عن الأساس الذي قام عليه موقفها التاريخي، وقبلت عمليًا بقرارات الأمم المتحدة التي وصفها الملك المؤسس سابقًا بالظالمة وغير العادلة.
ولا يُعلم بعد ما إذا كانت إسرائيل ستقبل بهذه المبادرات أو تشرع في المفاوضات حولها، لكن من الواضح أن تراجع بعض الدول الإسلامية عن مواقفها الأصيلة تجاه فلسطين يُعدّ تحولًا كبيرًا في المشهد السياسي العالمي ومؤشرًا على إعادة رسم خريطة الصراع العربي الإسرائيلي.

Exit mobile version