التقييم الشرعي لدعاية وانتقادات خوارج داعش ضد الإمارة الإسلامية! الجزء العشرون

المولوي أحمد علي

أضرار الأفكار والتيارات المتطرفة والتكفيرية والخارجية:

عندما تظهر الجماعات والتيارات التكفيرية والخارجية أو تخترق مجتمعات المسلمين، فإنها تتسبب في الأضرار الكبيرة التالية:

۱-: القضاء على المحبة والمودة بين المسلمين، وانتشار البغضاء، والكراهية، والحسد، مما يؤدي إلى تفكك المجتمع وانتشار الخلافات. كما حدث في الجهاد المعاصر، حيث تسللت العناصر التكفيرية إلى صفوف تنظيم القاعدة في الجهاد وبعض الحركات الجهادية الأخرى، فأدى ذلك إلى أسوأ الانقسامات، وقتل بعضهم بعضًا، مما أثر بشدة على سمعتهم في المجتمعات الإسلامية، وأدى إلى ضعفهم وانهيارهم. بل إن بعض الحركات الجهادية كادت أن تنقرض، أو انتهت تمامًا، مثل الحركة الجهادية في القوقاز، والتنظيمات الجهادية في آسيا الوسطى، وبعض الحركات الجهادية في الدول الإسلامية الإفريقية.

۲-: إثارة الطائفية والتعصب المذهبي والمناطقي.

۳-: نشر الفوضى وانعدام النظام.

۴-: تمزيق وحدة المسلمين وإضعاف قوتهم.

۵-: استغلال الكفار وحلفائهم لهذه الفرصة سياسيًا وعسكريًا، فمن ناحية، يستفيدون من خلافات المجاهدين الداخلية لتحقيق تقدم عسكري في المناطق الاستراتيجية، ومن ناحية أخرى، يقومون بحملات فكرية ودعائية ضد المجاهدين لإضعاف مكانتهم بين الشعوب. مثل هذه الحالات تمثل فرصة ذهبية لأعدائهم، الذين يستغلونها بسرعة لتغيير مجرى الحرب. وهكذا، بينما يعاني التيار الجهادي من الانقسامات الداخلية، والاقتتال، والتكفير، يستغل العدو ذلك في إعادة تنظيم قواته وتقويتها، مما يؤدي إلى إضعاف الحركات الجهادية وهزيمتها وإحباطها، كما هو الحال في العراق وسوريا وليبيا.

۶-: التمرد على الأمراء الشرعيين والجهاديين.

۷-: استباحة دماء وأموال المسلمين الأبرياء.

۸-: الجرأة على العلماء والمشايخ، بل واحتقارهم، كما كان يقول أحد قادة الخوارج، عمرو بن عبيد: (لو شهد عندي عليّ وطلحة والزُّبير وعثمان على شِراك نعلي ما أجزتُ شهادتهم ما أجزت شهادتهم).

(الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم) أو كما يفعل التكفيريون والخوارج المعاصرون الذين يعتبرون معظم علماء الأمة في هذا العصر من المرجئة، رغم أن هؤلاء العلماء قدموا خدمات جليلة للأمة الإسلامية، وهم أكثر دراية بعقائد ومناهج أهل السنة والجماعة والمرجئة والخوارج وغيرهم مقارنة بهؤلاء التكفيريين. ولكن التكفيريون لا يعترفون بهذه الحقائق، بل يعتبرون هؤلاء الجبال الشامخة في العلم وقادة أهل السنة والجماعة من أهل المداهنة والباطل، بل يصل بهم الأمر إلى حدّ تكفيرهم واعتبارهم مرتدين!

والسبب في ذلك هو أن هؤلاء العلماء لا يشاركون في انتفاضاتهم المسلحة، أو لأنهم غير مقتنعين بأسلوبهم ومنهجهم، أو لأنهم منشغلون منذ زمن طويل بأعمال دينية وإصلاحية أخرى تعود بالنفع الكبير على المسلمين وتسدّ احتياجاتهم الضرورية. كما أن نجاح التمرد المسلح غير مضمون، ولذلك يعلن هؤلاء العلماء والمؤسسات الإسلامية انفصالهم عن هذه الجماعات حفاظًا على استمرارية مشاريعهم السلمية والإصلاحية.

9- تدمير الأمن والاستقرار:

لا يمكن أن تبقى المجتمعات آمنة ومستقرة إذا تسللت إليها العناصر التكفيرية والخارجية. فقد نفذت هذه الجماعات، خلال العقد الماضي، عددًا هائلًا من العمليات التخريبية التي كانت غير شرعية سواء من الناحية الدينية أو السياسية، مما ألحق أضرارًا لا تُعوّض بالحركات الجهادية الإسلامية.

كان لابتعاد هذه الجماعات عن موقف السلف وجمهور أهل السنة في قضايا “الموالاة، المناصرة، والمظاهرة ضد المسلمين”، واعتمادهم على فتاوى شاذة أو مجملة، بل والتأثر ببعض القيادات المتطرفة من الحركة الوهابية، دور كبير في تطور الفكر التكفيري والخارجي. ولذلك، يجب أن يتم التركيز في الأدبيات الجهادية على موقف السلف وجمهور أهل السنة، لأن تبنّي مواقف غير سنية وشاذة يؤدي بالحركات الجهادية إلى الفشل والشلل داخل المجتمعات الإسلامية، كما أن هذا المنهج المتطرف والمخالف للسلف الصالح هو الذي ينشئ الفكر التكفيري والخارجي تلقائيًا.

بعد ذلك، تقوم هذه العناصر المتطرفة والخارجية بوضع سياسات عسكرية وسياسية ودعوية وإعلامية للحركات الجهادية وفقًا لمنظورها المنحرف، مما ينتج عنه فتاوى وتصريحات دعوية وأعمال عسكرية تؤدي في النهاية إلى تدمير هذه الحركات الجهادية وإعادتها إلى نقطة الصفر.

على سبيل المثال، العمليات التفجيرية التي استهدفت صلاة الجمعة والعيد والجنازات، والهجمات التي استهدفت المؤسسات التعليمية، كانت وراءها فكرة فاسدة تبرر هذه الجرائم، بل وتعتبرها وسيلة لنيل الثواب والجنة. وهذا ما أدى إلى انهيار الحركات الجهادية العالمية التي كانت تسير بخطى ثابتة، وجعلها تواجه العزلة والتفكك الخطير.

الإمام أبو بكر ابن العربي رحمه الله:

الإمام المالكي الشهير، الفقيه العظيم، المحدث والمفسر، أبو بكر ابن العربي رحمه الله، يقول في تفسيره “أحكام القرآن”، الجزء الرابع، الصفحة 225: مَنْ كَثُرَ تَطَلُّعُهُ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَيُنَبِّهُ عَلَيْهِمْ وَيُعَرِّفُ عَدُوَّهُمْ بِأَخْبَارِهِمْ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ كَافِرًا، إذَا كَانَ فِعْلُهُ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ، وَاعْتِقَادُهُ عَلَى ذَلِكَ سَلِيمٌ، كَمَا فَعَلَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ حِينَ قَصَدَ بِذَلِكَ اتِّخَاذَ الْيَدِ وَلَمْ يَنْوِ الرِّدَّةَ عَنِ الدِّينِ. خلاصة كلام الإمام ابن العربي رحمه الله:

إذا قام شخص بالتجسس لصالح الكفار ضد المسلمين، ولكن كان ذلك بدافع تحقيق مصالح دنيوية وليس لاعتناق عقيدتهم أو الارتداد عن الإسلام، فإنه لا يُحكم عليه بالكفر والردة. كما حدث مع حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، الذي أرسل رسالة إلى قريش، لكنه لم يكن يقصد بذلك – والعياذ بالله – الارتداد عن الإسلام، وإنما أراد من خلالها تحقيق منفعة شخصية وعائلية.

كلام الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن حمادة الجبرين رحمه الله:

يقول الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن حمادة الجبرين في حاشية كتابه “تسهيل العقيدة الإسلامية”، المجلد الأول، الصفحة 571:

لقد أجمع علماء الأمة على أن ما فعله حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه لا يُعد ردة عن الإسلام، على الرغم من أن هذه الرسالة لو وصلت إلى قريش، لكانوا حتمًا قد استعدوا للحرب، وهو أمر يخالف قصد النبي ﷺ، حيث أراد أن يبقى الأمر سرًا. وبالتالي، فإن ما قام به حاطب رضي الله عنه كان تعاونًا كبيرًا مع الكفار في حرب مصيرية بين الإسلام والكفر، ولكنه لم يكن كفرًا وردة، لأن الدافع وراء هذا التعاون لم يكن اعتقادًا فاسدًا أو نفاقًا داخليًا، بل كان مجرد تحقيق مصلحة عائلية وشخصية.

Exit mobile version