الخوارج الداعشيون، على خطى أسلافهم، يعتمدون في انحرافهم الفكري على تكفير جميع الحركات الجهادية والجماعات التابعة لأهل السنة والجماعة، مثل الإمارة الإسلامية، تنظيم القاعدة، جبهة النصرة، حركة طالبان باكستان وغيرها، و يعتبرون دماءهم مباحة ويدعون إلى قتلهم.
يواصلون حملاتهم الدعائية السلبية ضد هذه الجماعات، وأحدث ما نشرته مجلتهم “صوت خراسان” في عددها الـ 39 هو زعم بوجود علاقات سرية بين الإمارة الإسلامية وأمريكا وإسرائيل، إلى جانب تحريض الكشميريين على الجهاد ضد باكستان والهند.
إنهم باسم الجهاد يضرون بالصفوف الجهادية، وهم منحرفون عن عقيدة أهل السنة والجماعة المعتدلة من حيث العقيدة، أما سياساتهم العسكرية و أساليبهم فهي بعيدة كل البعد عن نهج النبي ﷺ وسيرة السلف الصالح.
الحقيقة هي أن الأحكام تختلف حسب الظروف؛ فالأحكام في زمن الضعف تختلف عن تلك في زمن القوة. إعلان الحرب في كل وقت وكل مكان، رغم الضعف، مخالف لسنة النبي ﷺ. فلم يكن النبي ﷺ في حالة حرب مع الجميع في وقت واحد، بل كان يتبع مبدأ “الأهم فالأهم”، وكان يحجم عن فتح جبهات متعددة في وقت واحد، لأن المسلمين لم يكونوا قادرين على تحملها، وكانت نتائج تعدد الجبهات تصب في مصلحة العدو الرئيسي وهو قريش.
ولذلك، كان المسلمون يفضلون التفاوض وعدم القتال مع القوى الأخرى القريبة من المدينة المنورة. ففي غزوة الأحزاب، على سبيل المثال، دخل النبي ﷺ في مفاوضات مع قبيلة غطفان لمنع تحالفهم مع قريش مقابل ثلث محصول المدينة، لأن النبي ﷺ كان يدرك أن المسلمين لن يستطيعوا الصمود أمام اتحاد قريش و غطفان.
الإسلام هو دين الفطرة، وهو منهج كامل للحياة من عند الله سبحانه وتعالى، يحتوي على نظام شامل للتعامل مع الحروب والمعاهدات، والسلام، و التعايش مع الشعوب والأديان المختلفة في الأوقات المختلفة.
الخوارج، كما وصفهم النبي ﷺ، هم “سفهاء الأحلام”، يفتقرون إلى الفقه الحقيقي، ويظنون أنهم على صواب ويتهمون خيرة الأمة بالانحراف. حتى أن مؤسسهم تجرأ على التشكيك في تقوى النبي ﷺ وفقهه، وقال له: “اعدل يا محمد”. يقومون بأعمال حمقاء يظنون أنها لخدمة الإسلام والمسلمين، بينما هم في الحقيقة يلحقون أضرارًا جسيمة لا يمكن إصلاحها. ولهذا قال الإمام علي رضي الله عنه عنهم إنهم المقصودون في قوله تعالى: “الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا”.
كما ذكر القرطبي في تفسيره أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن المقصود بالآية هم الخوارج. ونقل الإمام أحمد بن حنبل قوله عنهم: “الخوارج قوم سوء، لا أعلم في الأرض قومًا شرًّا منهم”. وقد أشار ابن تيمية إلى أن شرهم على المسلمين أكبر من شر الكفار، حيث قال: “و شرهم على المسلمين يفوق شرور الكفار”.
يذكر الحافظ ابن حجر أنهم “أسوأ الفرق المبتدعة من الأمة المحمدية ومن اليهود والنصارى”، و يُروى عن ابن هبيرة أنه قال: “قتال الخوارج أولى من قتال المشركين، والحكمة في ذلك أن قتالهم هو لحفظ رأس مال الإسلام، بينما قتال المشركين هو طلب للربح”.
وفي تفسير ابن تيمية لقتال الخوارج، قال: إن الصحابة والتابعين أجمعوا على وجوب قتالهم، لأنهم تمردوا على المسلمين جميعًا. وبيَّن أن شرهم لا يُدفع إلا بالقتال، حيث إنهم يبدأون المسلمين بالقتال ويعتبرونهم كفارًا حتى يتراجعوا عن دينهم الصحيح الذي ثبت بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة، ويتبعوا بدعتهم وتفسيراتهم الباطلة للقرآن.
لهذا كان النبي ﷺ يقول عنهم: “لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد”، وفي رواية أخرى قال: “أفلح من قتلهم أو قتلوه”، مشيرًا إلى أن من يقتلهم يكون ناجحًا، ومن يُقتل على أيديهم أيضًا يكون ناجحًا.
(يتبع…)