الشیخ أحمد محمد بوقرین:
يكتب الشیخ أحمد محمد بوقرین في كتابه “التکفیر مفهومه وأخطاره و ضوابطه في صفحة ۲۸:
إن حاطب بن أبي بلتعة ارتكب خطيئة، تشبه ما يسمى الآن “الخيانة العظمى” حيث أراد نقل أخبار الرسول وتحركات جيشه إلى قريش قبيل فتح مكة، مع حرص الرسول ﷺ على كتمان ذلك عنهم. وقال له عمر: دعني يا رسول الله! أضرب عنقه، فقد نافق. واعتذر الرسول ﷺ بأنه من أهل بدر، ولم يعتبر عمله ناقلاً له من الإيمان إلى الكفر.
ونزل القرآن يؤكد ذلك حيث نزل في شأنه أول سورة الممتحنة: ﴿يٰۤاَيُّهَا الَّذِيْنَ اٰمَنُوْا لَا تَتَّخِذُوْا عَدُوِّىْ وَعَدُوَّكُمْ اَوْلِيَآءَ تُلْقُوْنَ اِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوْا بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ الْحَقِّ﴾ (الممتحنة: 1) إلى أن قال: ﴿تُسِرُّوْنَ اِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَاَنَا اَعْلَمُ بِمَاۤ اَخْفَيْتُمْ وَمَاۤ اَعْلَنْتُمْ﴾ فخاطبه الله فيمن خاطب بعنوان الإيمان، وجعل عدوه سبحانه وعدوهم واحدًا، مع قوله: ﴿تُلْقُوْنَ اِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ﴾.
أبو عبدالله الخطیب:
يقول أبو عبدالله الخطیب في صفحة ۱۲۰ من کتابه “التکفیر اخطاره و ضوابطه”:
تنقسم موالاة الكفار ومظاهرتهم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن تكون تولياً تاماً مطلقاً عاماً، فهذا كفر مخرج عن ملة الإسلام، وهو مراد من أطلق الكفر. الدليل: قوله تعالى: ﴿يٰۤاَيُّهَا الَّذِيْنَ اٰمَنُوْا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُوْدَ وَالنَّصٰرٰۤى اَوْلِيَآءَ م بَعْضُهُمْ اَوْلِيَآءُ بَعْضٍؕ وَمَنْ يَّتَوَلَّهُمْ مِّنْكُمْ فَاِنَّهٗ مِنْهُمْؕ اِنَّ اللّٰهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظّٰلِمِيْنَ ٥١﴾ (المائدة 51)، وقوله تعالى: ﴿يٰۤاَيُّهَا الَّذِيْنَ اٰمَنُوْا لَا تَتَّخِذُوْا عَدُوِّىْ وَعَدُوَّكُمْ اَوْلِيَآءَ تُلْقُوْنَ اِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوْا بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُوْنَ الرَّسُوْلَ وَاِيَّاكُمْ اَنْ تُؤْمِنُوْا بِاللّٰهِ رَبِّكُمْ اِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِىْ سَبِيْلِىْ وَابْتِغَآءَ مَرْضَاتِىْؕ تُسِرُّوْنَ اِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَاَنَا اَعْلَمُ بِمَاۤ اَخْفَيْتُمْ وَمَاۤ اَعْلَنْتُمْؕ وَمَنْ يَّفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيْلِ ﴾ (الممتحنة: ١)
قال ابن كثير (رحمه الله) في تفسير الآيات ما نصه:
نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين وأن يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين، ثم توعد على ذلك؛ فقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَّفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِىْ شَىْءٍ﴾ أي: ومن يرتكب نهى الله في هذا، فقد برئ من الله، كما قال تعالى: ﴿يٰۤاَيُّهَا الَّذِيْنَ اٰمَنُوْا لَا تَتَّخِذُوْا عَدُوِّىْ وَعَدُوَّكُمْ اَوْلِيَآءَ تُلْقُوْنَ اِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ﴾ إلى أن قال: ﴿وَمَنْ يَّفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيْلِ ١، وقال تعالى: ﴿يٰۤاَيُّهَا الَّذِيْنَ اٰمَنُوْا لَا تَتَّخِذُوا الْكٰفِرِيْنَ اَوْلِيَآءَ مِنْ دُوْنِ الْمُؤْمِنِيْنَ ط اَتُرِيْدُوْنَ اَنْ تَجْعَلُوْا لِلّٰهِ عَلَيْكُمْ سُلْطٰنًا مُّبِيْنًا ١٤٤﴾ (النساء: 114) وقال تعالى: ﴿يٰۤاَيُّهَا الَّذِيْنَ اٰمَنُوْا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُوْدَ وَالنَّصٰرٰۤى اَوْلِيَآءَ م بَعْضُهُمْ اَوْلِيَآءُ بَعْضٍؕ وَمَنْ يَّتَوَلَّهُمْ مِّنْكُمْ فَاِنَّهٗ مِنْهُمْ﴾ الآية. وقال تعالى بعد ذكر موالاة المؤمنين من المهاجرين والأنصار والأعراب: ﴿وَالَّذِيْنَ كَفَرُوْا بَعْضُهُمْ اَوْلِيَآءُ بَعْضٍؕ اِلَّا تَفْعَلُوْهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى الْاَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيْرٌ ٧٣﴾ (الانفال 73) اهـ ، وقال الإمام ابن جرير الطبري: من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متول أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه، فقد عادى ما خالفه وسخطه، وصار حكمه حكمه، وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: قد فسرته السنة وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة العامة، وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: إن كان تولياً تاماً كان ذلك كفراً، وتحت ذلك من المراتب ما هو غليظ وما هو دونه.
الثاني: ما يحرم بالموالاة: أن تكون لأجل تحصيل مصلحة خاصة للمتولي والمظاهر، وليس هناك ما يلجئ إليها من خوف ونحوه، فهذا حرام وليس بكفر.
الدليل: قصة حاطب بن أبي بلتعة- رضي الله عنه- الذي رواها البخاري ومسلم وغيرهما، وهي أنه كتب كتابًا لقريش يخبرهم فيه باستعداد النبي – ﷺ – للزحف على مكة إذ كان يتجهز لفتحها، وكان يكتم ذلك ليبغت قريشًا على غير استعداد منها، فتضطر إلى قبول الصلح، وما كان يريد حرباً، وأرسل حاطب كتابه مع جاريه وضعته في عقاص شعرها، فأعلم الله نبيه بذلك، فأرسل في أثرها علياً والزبير والمقداد، وقال: “انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها”، فلما أتي به قال: “يا حاطب ما هذا”؟ فقال: يا رسول الله! لا تعجل على! إن كنت حليفاً لقريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، ولم أفعله ارتدادًا عن ديني ولا رضي بالكفر بعد الإسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: “أما إنه قد صدقكم” واستأذن عمر النبي ﷺ في قتله، فلم يأذن له، قالوا: وفي ذلك نزل قوله تعالى: ﴿ يٰۤاَيُّهَا الَّذِيْنَ اٰمَنُوْا لَا تَتَّخِذُوْا عَدُوِّىْ وَعَدُوَّكُمْ اَوْلِيَآءَ﴾ الآية (سورة الممتحنة:1)
وقال الشيخ محمد رشيد رضا: [وإذا كان الشارع لم يحكم بكفر حاطب في موالاة المشركين التي هي موضع النهي].
ولذا لم يذكر الفقهاء الموالاة والمظاهرة من ضمن المكفرات في باب حكم المرتد يتضح ذلك لمن اطلع على كتاب الإقناع وشرحه والمغني وغيرهما، ويلاحظ أن الله عز وجل نادى حاطباً بلفظ الإيمان في قوله تعالى: ﴿يٰۤاَيُّهَا الَّذِيْنَ اٰمَنُوْا لَا تَتَّخِذُوْا﴾ الآية، فدل على أنه لم يكفر بذلك العمل مع أنه قال: ﴿اَوْلِيَآءَ تُلْقُوْنَ اِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ﴾ وقال: ﴿تُسِرُّوْنَ اِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ﴾.
الثالث: الجائز منها: أن تكون بسبب خوف من الكفار ونحوه، فالحكم في ذلك الجواز. الدليل: قوله تعالى: ﴿اِلَّاۤ اَنْ تَتَّقُوْا مِنْهُمْ تُقٰىةً﴾ قال ابن كثير: أي إلا من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرهم، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته، كما قال البخاري عن أبي الدرداء: إنه قال “إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم”.