التاسع من شهر سنبلة:نهاية الحرب العسكرية وبداية الحرب الثقافية!

شکیب إحسان

التاسع من سنبلة عام 1400م هو اليوم الذي فرّ فيه آخر جندي أمريكي مذلولاً من أرض أفغانستان الطاهرة بعد أن اعترف بالهزيمة. هذا اليوم هو رمز للدم أمام السيف، وللإيمان أمام الرعب، ولإرادة شعب أمام ادعاءات القوى العظمى التي ظنت أنها تستطيع بالقوة والمال محو ثقافة وهوية متجذرتين في أعماق روح الأمة.

كان هذا اليوم حكاية نهاية الاحتلال العسكري، لكنه في الحقيقة كان إعلاناً عن بداية حرب أعظم: استعادة ميدان الفكر والثقافة من يد مستعمر هُزم عسكرياً لكنه حقن سموم فكره في جسد المجتمع.

إن احتلال أفغانستان لمدة عشرين عاماً لم يكن غزواً عسكرياً فحسب؛ بل جلب معه قصفاً ثقافياً. ظنّوا أنهم من خلال شبكات ملونة، وغرس قيم غريبة، وأساليب حياة لا تمتّ بصلة لأصالة هذه الأرض، سيخرّجون أجيالاً مغتربة عن تاريخها المجيد وإيمانها الراسخ. أرادوا أن يصوّروا المجاهدين كـ”إرهابيين” في أذهان العالم، وأن يخفضوا جهاد الأمة المقدس ومقاومتها إلى مستوى أعمال عنف من مجموعة صغيرة.

لكن في خنادق الحرب العميقة، وقف أولئك الشباب الذين يحملون في يد القرآن الكريم وفي الأخرى السلاح، ليس فقط أمام الدبابات، بل قاوموا أيضاً الغزو الثقافي. وكان إيمانهم سداً منيعاً أمام هذا الهجوم.

غير أن مهمتنا اليوم، بعد النصر العسكري العظيم، لم تنتهِ بعد. ربما انسحب جنود العدو، لكن ميدان المعركة امتد إلى ساحات أخرى: الكتب، المدارس، الإعلام، الفن والفضاء الافتراضي.

العدو مهزوم لكنه يسعى بكل ما أوتي من قوة لحقن أفكاره في المجتمع بطرق معقدة كسمٍّ حلو، ويحاول أن يخدع شبابنا بنظريات مادية فارغة، ويمزق وحدة الأمة بحيل الفرقة، وينسيهم الغيرة الدينية التي كانت أعظم سلاح للمجاهدين.

اليوم تقع على عاتق العلماء والكتّاب والشعراء وأساتذة الجامعات وكل مواطن أفغاني شجاع مسؤولية أثقل من أي وقت مضى. يجب أن ندخل ميدان الحرب الفكرية والثقافية بشجاعة مماثلة لتلك التي أظهرها المجاهدون في ميادين القتال. نحن بحاجة لإنتاج محتوى أصيل، وإحياء القيم الإسلامية – الأفغانية، وتعزيز النظام التعليمي على أساس الهوية الوطنية والدينية، وإقامة مراكز قوية تكشف مخططات العدو.

إن حرب اليوم هي حرب من أجل استعادة العقول والقلوب. فلنكن يقظين! حتى لا يعود العدو هذه المرة بلباس آخر وبخطاب مخادع. لقد علّمنا نصر سنبلة التاسع أنه لا قوة تستطيع مقاومة إرادة شعب متحد. والآن، يجب أن نحول هذه الإرادة إلى الساحة التي يريد العدو كسر سيادتنا الفكرية فيها.

اليوم، تملك أفغانستان تحت حكم الإمارة الإسلامية فرصة تاريخية ليس فقط للاحتفال باستقلالها العسكري، بل لإطلاق مشروع كبير من أجل استقلالها الفكري والثقافي. هذا هو أعظم تكريم لدماء الشهداء الذين مهّدوا بدمائهم طريق الحرية.

فلنضمن أن يعيش جيل الغد في أفغانستان حرة وعزيزة، ذات هوية قوية، ومكتفية عن ثقافات الغرباء. إن التاسع من سنبلة كان نهاية الاحتلال، لكنه أيضاً بداية المسؤولية العظمى لبناء أفغانستان لا تعتمد على أحد، ولا تعيش في ظل أحد، في أي ميدان من الميادين.

Exit mobile version