2- التكفير المتشدد والتصرفات المتهورة
المشكلة الثانية هي هذه العجلة في إصدار الأحكام وتنفيذها فورًا، حتى يعجب الإنسان: هل يمكن للبشرية أن تتحمل مسؤولية ثقيلة كهذه، أم أنها ستُسحق تحت هذا الحمل؟
والأدهى من ذلك أن يجلس في منصب القاضي، ويحكم على الآخرين، ويصدر أحكامًا ثقيلة عليهم، وتكون العقوبات متساوية وعلى مستوى واحد، دون أي اعتبار لنوع الجريمة، حيث يتم الحكم على الجميع دفعة واحدة، في محكمةٍ صحراويةٍ، بعقوبةٍ قاسية.
إنها أبشع صور الظلم، حيث يُلقى بالناس في دائرة ضيقة لا يُعطَون فيها فرصةً للدفاع عن أنفسهم، ولا لقول حجتهم، ولا حتى للأمل في إنقاذ حياتهم، بل يبقون فقط في انتظار الموت.
منذ اليوم الذي ظهر فيه داعش كجماعة، سفكوا دماءً لا حصر لها، وأجلسوا العديد من العائلات على موائد الحزن، وقتلوا كبار الأسر، وحرموهم من الحياة، لا رحمة لديهم بالناس، ولا يفكرون في مصير عائلات من يقتلونهم.
وإذا سألهم أحد: لماذا تقتلون هؤلاء؟ وما هو مبرر ذلك؟ فليس لديهم سوى إجابة واحدة:
“هؤلاء ليسوا على الحق!”
يرون أنفسهم أعظم القضاة والحكام، لا يقبلون أي رأي آخر، ويعتبرون كل من يخالفهم خارجًا عن الملة.
لكن، كيف يمكن لمن تأصل فيهم التطرف الدموي، ولمن اعتادوا القتل وسفك الدماء، أن يدّعوا إقامة الخلافة؟! أو أن يكون لهم تسامح مع الناس، أو أن يطمئنوا المجتمع على أمنه؟!
3- ادعاء إقامة الخلافة أم مجرد غطاء لتحقيق أهداف شخصية؟
الإسلام هو الدين الخاتم المختار من الله تعالى، وهو دين سعادة البشرية، وبقائها، وكرامتها الأبدية، أُرسل ليجعل الإنسان ناجحًا في الدنيا والآخرة، وليعلمه حياةً سليمةً وصالحةً ومعتدلةً ومتوازنة.
وكان النبي ﷺ قد بُعث لهذه الغاية، فاختار أن يكون منهجه قائمًا على تهذيب الأخلاق، وبناء الشخصية، وتنمية العقول. وقال في كلماته العميقة والموجزة:
“إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق”
في مكة، التي كانت نقطة الاتصال بين الأرض والسماء، حيث الكعبة المشرفة، انتشرت عبادة الأصنام والشرك مع انقطاع الوحي لفترة طويلة. فبدأ النبي ﷺ إصلاح القلوب، ونشر التوحيد، وإنقاذ الناس من ظلمات الوثنية، وانطلق في دعوة هادئة وثابتة لا تعرف الكلل.
ورغم أن المجتمع كان مليئًا بالفخاخ الجاهلية، والتقاليد الفاسدة، والجهل، والعبودية الفكرية والجسدية، لم يحمل النبي ﷺ السلاح فجأة، ولم يبدأ مواجهة مباشرة قبل إعداد أتباع قادرين على نشر الدين.
بل بدأ بعملية تغيير تدريجية وحكيمة، حيث خاطب العقول والقلوب، وكشف زيف الباطل، وأوضح محاسن الحق، حتى ينحاز إليه أصحاب الفطرة السليمة، ليكونوا قاعدة صلبة لنشر الدين.
استغرق الأمر 13 عامًا من الجهد المستمر حتى أثمرت الدعوة عن جماعة صادقة مخلصة، استعدت للانتقال إلى مرحلة جديدة، ولمواجهة الباطل وجهًا لوجه.
بعد مرحلة تربوية طويلة، وتنقية العقول والقلوب، وتحريرها من قيود الجهل والعبودية، قرر النبي ﷺ وأصحابه إعلان الإسلام دينًا شامخًا، واتخاذ المدينة مقرًا لإقامته.