لقد استفادت جماعة “داعش” من استراتيجية الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي استفادة غير مسبوقة، ففاقت في ذلك سائر الجماعات القتالية والحركية الأخرى، إذ عمدت بذكاء إلى استغلال أدوات الدعاية الحديثة – التي أضحت اليوم جزءاً من أدوات المجتمع الدولي – في الترويج لأعمالها وتجميل وجهها القبيح وإخفاء حقيقتها السوداء.
في عالم تلعب فيه الوسائل الإعلامية الدور الأبرز والأساس في جذب الناس واستمالتهم، برعت داعش أكثر من سواها في هذا الميدان؛ إذ إن دعايتها وتضخيمها لحركتها وأهدافها يفوق بكثير ما قامت به فعلياً على أرض الواقع.
وقد كانت الوسائل الإعلامية والأدوات الدعائية التي وقعت تحت تصرفها ذات أثر بالغ في استقطاب الأتباع وتوسيع صفوفها، لكنها – وبما أن الصراع بين الحق والباطل قائم أبداً – لم تلبث أن انكشفت حقيقتها، إذ فضح الله تبارك وتعالى سواد نيتها وخبث أهدافها أمام العالم أجمع.
فكلما بالغوا في الترويج لأنفسهم ونفخوا في صورهم، منح الله تعالى المجاهدين الصادقين من جنود الإسلام قوة إضافية لكشف زيفهم، حتى باتت مقاصدهم الدنيئة وحركاتهم الخبيثة مكشوفة لدى الجميع، لا سيما أولئك الشباب الذين خدعتهم دعاية داعش، ففضحهم الله وأظهر حقيقتهم.
وقد استفادت داعش كثيراً من تلك الأدوات الإعلامية – كما أُشير في الجزء الأول من هذه المقالة – في تجنيد العنصر البشري لصفوفها، كما سعت من خلالها للحصول على الموارد المادية والدعم المالي الكبير.
ورغم الفتن والفساد الذي يعمّ العالم، فإن الله تعالى لا يزال يهدي قلوباً خاشعة إلى طريق الدين، ويبعث في نفوسها روح الجهاد والتضحية بالمال والنفس في سبيله. وقد استغلّت داعش هذا الإخلاص لدى أهل الثروة، واستطاعت – بوسائلها الدعائية – أن تستجلب الكثير من الأموال وتستفيد منها مؤقتاً.
إن ظاهرة داعش تعكس – في حقيقتها – بُنيتها الفكرية والعقدية، وتكشف عن القناعات التي تتبناها، والخطط التي تسعى لتنفيذها بحق الأمة الإسلامية. إنها ظاهرة ضخّمتها أيادي الاستعمار والغرب، بقصد زرع الرعب والكراهية تجاه الحركات الجهادية الحقيقية في نفوس الناس.
فكل تحرك لداعش كان يهدف إلى بث الرعب والرهبة في المجتمعات التي سيطرت عليها، وقد أثاروا من الرعب ما أدخل الناس في حالة ذهول وحزن، وجعلوا من أنفسهم رمزاً للإرهاب، ينهبون الأموال، وينتهكون الحرمات، ويسلبون الحياة والكرامة.
وحينما فُضحت صورتهم على الأرض، سعوا إلى إعادة رسم ملامحهم عبر العالم الافتراضي، من خلال السيطرة على وسائل الإعلام وبث دعايتهم المضللة، كي يستمروا في خداع الناس ويُبقوا سوقهم حياً.
لقد كان استغلال داعش للأدوات الإعلامية وسيلة فعالة في تلميع صورتهم المظلمة، فتمكّنوا عبرها من استقطاب كثير من الشباب الذين انجذبوا إليهم من شتى أنحاء العالم.
وفي أوروبا، ومن خلال الوسائل الإعلامية التي غذّتها داعش هناك، تم استهداف أولئك الذين لا تزال في قلوبهم جذوة الإيمان مشتعلة، فاستمالوهم إلى صفوفهم، وتمكنوا من جذب كثير من النفوس – وخصوصاً الشباب – عبر هذا الطريق.
ولكن كما أن الله تعالى يُطفئ كل نار يُراد بها إخماد نور الحق، فقد أحبط سبحانه بمجاهدي أمته الصادقين تأثير دعاية داعش ومكرها، فأخمد نارها، وأبطل سحرها.
واليوم، وبعد أن فقدت داعش موطئ قدمها في الميدان الواقعي، وانكشفت حقيقتها في العالم الافتراضي، لجأت إلى حيل جديدة وأساليب خادعة كي تُعيد إحياء سوق استقطابها من جديد.
لقد كانت داعش تظن – في سابق عهدها – أنها قوة لا تُقهر، لكنها الآن وبعد تلقيها الهزائم المتتالية، أيقنت أن السبيل الوحيد المتبقي لها هو الكذب والخداع لاستمالة الناس إلى صفوفها.