لا شك أن الحرب الإعلامية والشعارات الجوفاء كانت من أكثر الأسلحة فاعلية لدى خوارج داعش منذ نشأتهم المظلمة وحتى آخر أنفاس ما سُمّي بخلافتهم المزعومة، بل وحتى بعد تفرّقهم وتشتّتهم، لا يزالون يستغلونها في الترويج والتأثير.
فقد دأب قادة ومتكلمو هذه الجماعة في جميع بياناتهم وتصريحاتهم على ترديد كلمات توحي بأنهم المدافعون الحقيقيون عن مظلومي الأمة الإسلامية، وأن هدفهم الوحيد هو نصرة المستضعفين، في حين أن الواقع في المناطق التي سيطروا عليها كان مختلفًا تمامًا، إلى حدّ التناقض التام بين الخطاب والممارسة.
المتحدث باسم ما سُمّي بالخلافة، أبو محمد العدناني، قال في إحدى كلماته المصورة بعبارات ظاهرها الرحمة: “ولئن نقدم فتُضرب أعناقنا واحدًا واحدًا أحب إلينا من قتل رجل مسلم قصدًا، فإنا والله من أجلهم نفرنا، وللذود عن دمائهم وأموالهم وأعراضهم جئنا، وسنظل نحبهم ولو كرهونا، وسنظل ننصرهم مهما خذلونا، ونريد حياتهم ولو أرادوا قتلنا.”
لكن على الرغم من هذه العبارات التي تزعم الدفاع عن المسلمين، فقد كانت الممارسة العملية لتلك الجماعة مليئة بسفك دماء الأبرياء. فالعدناني الذي قال إن قتل جميع أفراد جماعته أهون من قتل مسلم واحد، كان هو نفسه من يقود حركةً لا ترى في دم المسلم أي حرمة، بل تُراق دماؤهم ببرود فظيع.
لقد كان الواقع تحت حكم الخوارج في سوريا والعراق مختلفًا تمامًا، حيث كانت الجريمة الوحيدة لكثير من المسلمين هي رفضهم مبايعة “خلافتهم” المزعومة، فكان ذلك كافيًا للحكم عليهم بالكفر والردة، ثم تُنفّذ فيهم أحكام القتل أمام الناس، وتُقطع رؤوسهم في الساحات.
وفي أفغانستان، لم تكن جرائم خوارج داعش أقل بشاعة منها في العراق وسوريا، بل ربما فاقتها في وحشيتها، حيث نفّذوا هجمات على المساجد، والمدارس الدينية، وصلوات الجمعة، بل وحتى على المستشفيات والمراكز الصحية، مما فضح زيف شعاراتهم وكشف حقيقة وجوههم القبيحة.
وخلال هذه الفترة، قُتل عشرات، بل مئات وآلاف من شباب المسلمين لمجرد أنهم رفضوا أفكار هذه الجماعة الباطلة، وأُلقِيَت جثثهم في الصحارى والجبال بلا رحمة.
ولا شك أن هذا السجل الدموي والعار الإجرامي لداعش هو شهادة حيّة على التناقض الصارخ بين أقوالهم المضلِّلة وأفعالهم الوحشية. لقد تحولت هذه الجماعة من جماعة تزعم الدفاع عن المظلومين إلى واحدة من أعظم الظالمين، وسفكت دماء الأبرياء وخلّفت في جسد الأمة جراحًا غائرة لن تندمل، وبصمة سوداء لن يمحوها الزمن، وسيبقى هذا العار إلى الأبد على جبينهم، يلعنهم به التاريخ والضمير الإنساني.