حينما حملت هذه الأمة الرسالة الإلهية على وجهها الصحيح، كانت في الحقيقة خير أمة أُخرجت للناس، ورائدة الأمم وقائدتها. فقد أسقطت في أرجاء العالم طواغيت الشرك والكفر، وأزالت ظلمات الشر والفساد، وأقامت شريعة السلام والخير والأخوة والوحدة. وتشهد صفحات التاريخ كلها بقوة هذه الأمة الإسلامية وهيبتها وعظمتها وروحها الخيّرة.
لكن، وللأسف، ومع مرور الزمن، ضعفت هذه القوة لأسباب عديدة، فاستغل فراعنة العصر هذا الضعف أسوأ استغلال، ولوّثوا أيديهم بالدماء طلبًا للسيطرة والهيمنة على العالم، ونشروا الفساد في كل مكان. ونحن اليوم شهود على ظلمهم وجرائمهم وقمعهم لأهل الحق، حيث بسطوا طغيانهم في مشارق الأرض ومغاربها. ولا بد أن ندرك ونعترف بأن جميع شعاراتهم، كـ«مكافحة الإرهاب» وغيرها، ليست سوى ذرائع، أما الهدف الحقيقي فهو محاربة الإسلام والمسلمين.
انظروا اليوم إلى حال البلاد الإسلامية وأراضيها، كيف تُدمَّر البيوت، وتُقتل النساء والأطفال والشيوخ والشباب بوحشية لا ترحم.
وإذا استعرضنا المصائب التي حلّت بالمسلمين في فلسطين، وتركستان الشرقية (الإيغور)، والشيشان، ولا سيما في غزة، فإن مجرد ذكرها يفتت القلوب، فكيف لو سُمعت صرخات القتل والتهجير والآلام؟ لعلها كانت لتزلزل أطراف السماء.
ولو رجعنا إلى صفحات التاريخ، لتبيّن لنا بوضوح أن بعثة كل نبي من أنبياء الله جلّ جلاله وقيامه إنما كانت لمواجهة طغيان الجبابرة، وظلم الظالمين، وفسق الفاجرين. فقد كانت رسالتهم حماية حقوق المستضعفين، ونصرة المظلومين، وكبح جماح مغتصبي أمن البشرية.
وفي الحقيقة، فإن أتباع الدين الإلهي، من أصحاب رسول الله ﷺ وأعوانه والتابعين لهم، ما داموا ثابتين على الشريعة، مستقيمين على طريق الحق، كانوا نفعًا للبشرية، ومحل احترام، وأركانًا للحضارة. ولكن لما انحرفوا عن هذا الطريق، أصبحوا – للأسف – سببًا آخر لشقاء المجتمع وبؤسه.
وكان سقوط الحضارة الإسلامية كارثة لا تُجبر. فمنذ ذلك اليوم، هيمن الغرب، ودخلت الإنسانية في أزمة فكرية وروحية. وإننا اليوم، حين نرى بريق الحضارة المادية الغربية، وإن كان يخطف الأبصار، إلا أنه حضارة خاوية من الأخلاق والمعنويات، محرومة من الروح.
فإن أراد المسلمون النهوض من جديد، فذلك مشروط بالعودة إلى المصادر الأصيلة، والاعتصام بدين الله جلّ جلاله، وبناء الثقة بالنفس، والرجوع إلى نهج أصحاب رسول الله ﷺ والسلف الصالح، والاعتزاز بالدين والتراث الحضاري. عندها فقط يمكن استعادة العزة والمجد المفقودين. فالإسلام لا يقوى إلا بالطريق ذاته الذي كان سبب إصلاحه بالأمس.
وأول ذلك: الإيمان الراسخ المتجذر في قلب المؤمن؛ ثم حلاوة التضحية بالنفس والمال في سبيل الإسلام؛ والاعتزاز باتباع المبادئ والقيم والعادات الحسنة؛ واستمرار الدعوة العملية؛ وتقديم القدوة الصالحة القائمة على العمل الصالح دون ملل؛ وعدم قبول أي حكم سوى حكم الإسلام؛ وأخيرًا ترسيخ الإسلام في جميع مناحي الحياة.
وفي الأجزاء القادمة، سيتم بحث أسباب ضعف المسلمين وسبل معالجتها معالجة بنّاءة.


















































