الشهيد البطل المجاهد سعيد حافظ حمدالله “بدر” تقبله الله، هو ابن شين غل، من سكان قرية گېداخېلو في منطقة آبدره، مديرية سيدآباد، ولاية وردك، وُلد في عام 1375 هـ.ش في أسرة فقيرة، متدينة ومجاهدة.
تلقى بدر تقبله الله صدمة اليُتم في صغره، إذ توفي والده بينما كانت الأسرة تعاني الفقر المدقع. فقد حُرم من لذة الطفولة، وتكبد معاناة الحياة في سن مبكرة. عمل راعيًا للغنم في إحدى القرى المجاورة، وقضى سنوات طفولته في سفوح الجبال بعيدًا عن اللهو والمرح.
سافر إخوته إلى إيران لتحسين الوضع الاقتصادي للأسرة، مما أتاح له فرصة التوجه إلى طلب العلم. بدأ دراسته في مدرسة دينية بقرية “اكاخېلو”، حيث شرع بحفظ القرآن الكريم، لكن لم يُتم الحفظ، ورغم ذلك عُرف بلقب “حافظ”. إلى جانب دراسته، شارك سرًا في أعمال الجهاد مع إخوانه المجاهدين.
ذات يوم، هاجمت قوات الجيش التابع للنظام الجمهوري المدرسة، واعتقلت الطلبة، وفرّقتهم إلى مجموعتين: صغار وكبار، وكان الشهيد من ضمن الكبار. وبدأ الجنود بضرب الطلبة بعنف، كأنهم ذئاب انقضت من الجبال، حتى سُمع صراخ الطلبة من بعيد.
بعد تلك الحادثة، ترك حافظ المدرسة وانتقل إلى “مدرسة تعظيم القرآن” في قريته، لكن لم يكمل حتى الدورة الصغيرة، حيث غلبه الشوق إلى الجهاد، وبدأت التزاماته الجهادية تؤثر على حضوره الدراسي. كثيرًا ما كان يقول لرفاقه: “هيا نرصد كمينًا للعدو، هيا لنزرع الألغام، هيا…”.
عندما ذهب بدر تقبله الله ضمن التشكيل إلى ولاية ننجرهار، علمت والدته بذلك بعد فترة قصيرة، فأصابها اضطراب عصبي شديد، مما أثّر كثيرًا على الشهيد بدر، فكان حزينًا جدًا من أجلها. كان يذكرها دومًا، وكان بين زملائه معروفًا بأخلاقه الرفيعة، وتقواه، وورعه. وكان يرى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كثيرًا في المنام.
ولأنه كان شابًا ملتزمًا، شجاعًا، ومقدامًا في شؤون الجهاد، فقد انتقل إلى ولاية ننجرهار بطلب من زملائه المجاهدين للمشاركة في قتال الخوارج الدواعش.
وفي الطريق واجه مصاعب شتى؛ فقد كانت تلك الأيام ممطرة جدًا، مما أدى إلى غوص السيارات في أوحال عميقة في أكثر من مكان، وكان المجاهدون يضطرون إلى النزول من المركبات ودفعها بأيديهم ليُخرجوها من الطين.
وبعد مسير دام أربعة أيام وسط تلك الطرق الوعرة والمعقدة، وصلوا إلى ولاية ننجرهار. وما إن وصل حتى توجه بدر تقبله الله إلى الخطوط الأمامية وبدأ القتال وجهًا لوجه مع الخوارج. وهناك، وعلى مدى قرابة عشرة أيام، لم يكن متوفرًا لهم أي ترتيب للطعام أو الشراب أو المأوى. ورغم انتشار داعش بكثافة في تلك المنطقة، لم يُظهر الشهيد بدر تقبله الله أي علامات تعب، بل كان دائمًا يرسم ابتسامة لطيفة على شفتيه.
وقد روى الشهيد بدر (تقبله الله) لأحد أصدقائه قصة مؤلمة من هناك فقال:
«بعد صلاة الفجر، ارتدى الإخوة المجاهدون حقائبهم، وانتعلوا أحذيتهم، وحملوا بنادقهم على أكتافهم، وبدأنا نستعد للحركة على عجل. كنت أسير في جبال ننجرهار السوداء الموحشة والدامية، إلى جانب عشرة من إخوتي المجاهدين الذين كانوا يرتدون الزي العسكري، وكان كل واحد منا يسير إلى جانب الآخر في اتجاه واحد…
كان صمت الإخوة، وأشعة الشمس التي تخترق أغصان الأشجار وأوراقها، وصوت وقع الأقدام، وتغريد طائر من بعيد بصوت مفعم بالحزن والأسى، قد شكّلت جميعها مشهدًا مرعبًا مهيبًا. لا أدري أكان ذلك الطائر ينوح على أحزانه؟ أم كان يرسل ترنيمات حزينة على مصيرنا القريب؟
لم أكن أعلم أن هذه النباتات الجميلة، وهذه الأشجار البهية، وهذه الصخور البيضاء في الجبال، ستُلطّخ بعد لحظات بدماء إخوتي.
وفجأة، وفي إحدى شعاب الجبل تحت السماء الزرقاء، انكسرت تلك السكينة القاتلة بأزيز رصاص البنادق المتدفقة من أفواهها، وبصوت تحطم أغصان الأشجار، وسقوط إخوتي واحدًا تلو الآخر. لم يكن مصدر الهجوم ولا اتجاه الكمين واضحًا على الإطلاق. فرميت بنفسي إلى الماء وتواريت فيه، فإما أن العدو ظنّ أني أصبت، أو أنه لم يرني.
وبعد مغادرتهم، خرجت من الماء، فإذا بي أرى أعداء الإسلام الشرسين، المتعطشين لدماء المؤمنين، والمُدرَّبين على يد الغرب، كانوا مختبئين فوق الأشجار.
عندما وصلت إلى مكان الحادث، كان المشهد تحت الأشجار الخضراء أشد من مشاهد يوم القيامة. تسعة من إخوتي كانوا غارقين في دمائهم، ممزقين بالرصاص، مبعثرين في الأرض، وكأن وحشًا شريرًا قد مزقهم بلا رحمة. كانت رائحة البارود تنبعث من جراحهم. وقفت مذهولًا، مندهشًا، وكأن روحي انسحبت من قدمي، وسقط سلاحي من يدي، وركعت على ركبتيّ متكئًا على الأرض. وبكيت مصيري بصراخٍ ونحيبٍ، إذ لم أكن من بين عشرة إخوة إلا أنا الناجي الوحيد.
وفي ليلة متأخرة شنّ الدواعش هجومًا شاملًا على الخطوط الأمامية، فسقط عدد كبير من المجاهدين شهداء، وانهارت خطوط الدفاع، واستولى الدواعش على المنطقة.
وفي ذلك الحصار العنيف، أظهر الشهيد بدر تقبله الله، وعدد من المجاهدين الآخرين، شجاعة عظيمة، فقاتلوا العدو حتى آخر لحظة. وعندما بزغ نور الصباح، خرج بدر ورفاقه سالمين. كان شخصية شجاعة، متواضعة، وصبورة للغاية. وبعد يوم واحد من الراحة، طُلب منه مجددًا العودة إلى الخطوط الأمامية.
مواجهة مباشرة مع الدواعش على مسافة مترين:
في إحدى المرات، كان بدر (تقبله الله) وعدد كبير من المجاهدين يقومون بتطهير منطقة ريفية في ولاية ننجرهار من فلول الخوارج. وخلال الليل، في أحد المساجد، حدثت مواجهة مباشرة معهم.
ظنّ الإخوة أنهم مجاهدون، فخاطبوهم قائلين: “من أنتم؟”، فردّ الدواعش: “من أنتم أنتم؟” فقال بدر: “نحن مجاهدون.” وعلى الفور، فتح الخوارج النار عليهم، واستُشهد عدد من المجاهدين. أحدهم بقي في ساحة المعركة قرابة ستة أشهر حتى عُثر عليه. ونجا بدر من ذلك الهجوم أيضًا.
قصة الشهادة:
وأخيرًا، نال قاهر رؤوس الخوارج الدواعش، المجاهد المتعب والمُجتهد، الحافظ حمد الله “بدر” تقبله الله، شرف الشهادة في يوم 7 من شهر قوس سنة 1399 هـ.ش، في قرية “ملي خيلو” بوادي “شنز دره”، حين كان يستقل دراجة نارية مع أحد إخوانه المجاهدين، فاستُهدفا سويًا بهجوم عبر طائرة مسيّرة.
نحسبه كذلك والله حسيبه